الخميس، 9 أغسطس 2012

صحفي أمريكي يفضح السي. آي. إيه بعد 4 أشهر من الترحال في عالمها السري




غزة-دنيا الوطن
من إشارات عارضة.. لإنذارات واضحة.. إلي تهديدات مباشرة.. وخطط محددة.. يسير منحني التدخل الخارجي الأمريكي بإيقاع متصاعد في شئون الوطن.. مستخدما ما تطاله يداه.. من آليات.. وأدوات.. في التجسس علي الأوطان، والتفتيش في دفاترها.. وسجلاتها.. بحثا عن نقطة توتر.. أو أزمة في طريقها للاشتعال.. إلي الإغداق علي الأتباع والعملاء عبر إغراقهم في انهار من الدولارات والمصالح المتشابكة.. وفتح الطريق أمام من يقفون عند ناصية الوطن.. متأهبين ليستقلوا قطار 'الزيف الأمريكي' المحمل ببضاعة الديمقراطية.. والحرية 'الفاسدة'.
وبينما يتساقط في 'شرك' الشعارات المخادعة بعض من المعتوهين 'وطنيا' والمرضي 'سياسيا'.. تحفل دوائر المعادين بحركة يقظة.. ونشاط ملحوظ.. لرصد، وتتبع كل ما يجري في شئون وطن تتشابك فيه المواقف هذه الأيام.. وتختلط فيه الشعارات.. وتتعالي فيه الأصوات.. بين مخلصين صدقا لوطنهم.. وأمتهم.. ويحمل تاريخهم في محراب الوطن دلائل نقائهم.. ونزاهتهم.. وتجردهم..
ولعل الجانب الأعظم من المنتمين للحركات الداعية للتغيير والإسلاميين والحركات الطلابية إنما يقعون في نطاق هذه الدائرة..
وبين 'عرائس مزيفة'.. اقتحمت مولد الوطنية فجأة.. وتسللت إلي الصف الوطني في غفلة من الزمان.. وركبت موجة 'الهتاف الزاعق' بعد أن ارتدت ثوب الشجاعة.. ورفعت شعارات الفروسية.. بينما هي في حقيقتها ليست أكثر من 'عرائس كرتونية' صنعتها الصدفة.. وأفرزتها الأمراض التي طفت علي سطح المجتمع.. واستثمرتها الدوائر التي تبحث عن ضالتها في أمثال هؤلاء الذين يحملون في جوفهم كل ما هو فاسد من بضاعة جائرة.. تحولت إلي سلعة راكدة في فلسطين.. وكسد سوقها في العراق بعد أن لفظها الشعب المقاوم.. وراح يسحقها بالأحذية...
وبين من خرجوا من نبت هذه الأرض.. وعاشوا محنها.. وأزماتها.. ودفعوا الثمن.. راضين.. صاغرين.. وبين 'الدمي' من صنائع الخارج لا يكف من يتربصون بالوطن عن دس أنفهم بين الجميع.. وبث كراهيتهم في كل الأوساط.. ليستثمروا ما يعتمل في أحشاء هذا البلد.. وتوظيفه لصالحهم.. مرة بنشر الإشاعات، وحبك الروايات.. وأخري بنسج الخيوط في دوائر مغلقة.. استعدادا للحظة.. قد تحمل فيها أمطار السياسة، وعواصف الفتنة، ورياح التآمر.. ما يمنح المتربصين الفرصة لكي يرسموا فوق خارطة الوطن نهرا جديدا من الأحزان التي أوجعت قلب منطقتنا، بعد أن دمرت صماماته... وتصوب خططها نحو شرايينه.
ولأننا نقرأ ما يجري من زاويته الحقيقية.. ونتوقف عند محطاته الفعلية.. فقد آثرنا كعادتنا التنقيب في الملف الأسود الذي يستهدف مصر.. بخيوطه المتداعية.. وخطوطه المتعرجة.. لننقل إلي القراء في مصر، والعالم العربي.. فصلا جديدا من فصول التآمر الأمريكي.. والذي يستخدم كل الأساليب.. ويمسك بكل الوسائل.. ويرتدي كل الأقنعة ليبث سمومه القاتلة فوق خارطة وطن يمتلك من آليات المقاومة.. ووسائل الصد.. ما سيجعل الغزاة والمتآمرين يترددون ألف مرة.. قبل أن يشرعوا في تنفيذ السطر الأول في مخططهم المشبوه.
' الأسبوع'
الأمر ليس مجرد تحقيق نشره الصحفي الأمريكي ديفيد كابلان في مجلة يو إس نيوز الأمريكية.. بل هو كارثة حقيقية تعكس كيف تخطط المخابرات الأمريكية لغزو واختراق وغسل أدمغة الشعوب العربية والإسلامية.. تارة باسم الدين.. وتارة أخري بالديمقراطية وتارة ثالثة بدعوات الحرية.. فالتحقيق الكارثة يحكي تفاصيل ما دار في الغرف المغلقة، وكيف بدأت خيوط العنكبوت المخابراتية الأمريكية تعد لغزو عقولنا وقلوبنا.. ربما فشلوا أحيانا.. وربما تعثروا في أحيان أخري.. لكنهم في النهاية وجدوا ضالتهم.. في صورة حكومات مستعدة لمد اليد ما دامت ستقبض ثمن الوطن قطعة قطعة، وحركات لتطويع الدين.. وأشخاص 'بهلوانات' مستعدين لتغيير ألوانهم وأفكارهم ولغتهم وآرائهم حسبما يسير تيار القسوة والجبروت والبطش.. فملء الجيوب والكروش عندهم يسير جنبا إلي جنب مع ملء أفواههم بالعسل المعجون بالسموم.. نعلم جيدا أن الصورة ليست قاتمة حتي النهاية.. ونوقن أن الوطن مليء بشخصيات محترمة تفضل الموت جوعا علي أن تفرط في حبة واحدة من تراب الوطن.. ولا تقبل أن تبيع دينها ولو بكنوز الدنيا.. لكنها صرخة تحذير نطلقها علها تجمعنا من فرقتنا.. فالمخطط أكبر من عمود إنارة سرق في عز الظهر.. أو بلدوزر اختفي ولم يعثر عليه أحد وكأنه إبرة في كوم قش.. إنه وطن ودين وعقيدة التفت حولها طيور الظلام ولن يهدأ لها بال إلا بعد أن تنال منها.. ومن هذا المنطلق وحده تنشر 'الأسبوع' تفاصيل التحقيق الصحفي الذي كتبه الصحفي الأمريكي ديفيد كابلان بعد رحلة بحث استمرت أربعة أشهر التقي خلالها بمائة من أبطالها الحقيقيين.
القصة بدأت في يوليو عام 2003 حيث اجتمع عدد من القيادات البارزة في الإدارة الأمريكية تملؤهم نشوة ما اعتقدوا أنه تحقيق انتصار أمريكي في تلك الحرب التي زعمت واشنطن أنها ضد الإرهاب.. وتم عقد الاجتماع بجامعة الدفاع القومي بواشنطن.. وضم الاجتماع مديرين من البيت الأبيض ودبلوماسيين من وزارة الخارجية الأمريكية.. وإخصائيين في الحرب النفسية من وزارة الدفاع الأمريكية، وكان سيناريو الخطوط العريضة للاجتماع هو أنه إذا كانت الاحتجاجات المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية قد شكلت لها أرضا خصبة في البلدان الإسلامية حتي أصبح ينظر لمن تري واشنطن أنهم 'إرهابيون' علي أنهم 'محبون لأوطانهم كما هو الحال في العراق فإن واشنطن نجحت رغم هذه الاحتجاجات في أن تخلق جيلا من المدافعين عن الديمقراطية حتي الموت كما هو الحال في إيران التي لقي فيها طلاب إيرانيون حتفهم دفاعا عن الديمقراطية.. وأشار المجتمعون إلي قناعتهم بأن تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي هو الطريق نحو إقامة ديمقراطيات مستقرة.. وأشاروا أيضا إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يعد بوسعها أن ترضي بالجلوس علي الخطوط الجانبية بينما من تري واشنطن أنهم متطرفون يحاربون من أجل مستقبل ديني سياسي يؤمن به ما يزيد علي المليار شخص.
وحسب ما أشار إليه كابلان فإن المجتمعين توصلوا إلي نتيجة مفادها أن علي واشنطن بذل مزيد من الجهد للتأثير فيما وصفه المسئولون الأمريكيون بالإصلاح الإسلامي ، وأن علي البيت الأبيض تبني سياسة جديدة تقوم علي أساس أن الأمن القومي الأمريكي يتطلب أن يكون لأمريكا دور في توجيه مسار الأحداث في العالم الإسلامي.. وأن يتم تركيز الجهود الأمريكية في هذا المجال علي ثلاث جهات هي الجماعات الإسلامية المعتدلة والمؤسسات المدنية والجماعات الإصلاحية بهدف حثها علي تبني قيم الديمقراطية وحقوق المرأة والتسامح مع الأقليات.
وحسب ما أورده كابلان في تحقيقه فإن المجتمعين أشاروا إلي أن خطأ الولايات المتحدة الأمريكية طوال السنوات التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة أنها سارت في الطريق الخطأ في إطار حملتها لكسب قلوب وعقول أبناء العالم الإسلامي، ولم تكن الأجهزة الأمريكية المختلفة سواء في البيت الأبيض أو المخابرات الأمريكية أو وزارة الخارجية الأمريكية مسلحة بالشكل الكافي الذي يمكنها من حسم 'معركة الأفكار'.. فلم يكن هناك شخص بعينه مسئولا عن هذا الملف، كما أنه لم يتم وضع استراتيجية أمنية محددة لكسب تلك الحرب.. وهو ما حاولت واشنطن تداركه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. فمنذ هذا الحين تم تشكيل فرقة من أعضاء القوات العسكرية الأمريكية المختصين بدراسة النواحي النفسية وكذلك أعضاء من المخابرات الأمريكية.. وتم وضع عشرات الملايين من الدولارات تحت يدهم وتصرفهم لضخها في حملتهم من أجل التأثير علي الإسلام ذاته كدين وليس علي المجتمعات الإسلامية فقط.
غزو العقول والقلوب بالدولار
ويمضي كابلان في تحقيقه مشيرا إلي أنه منذ عقد هذا الاجتماع أنفقت واشنطن عشرات الملايين من الدولارات لتمويل محطات إذاعية إسلامية وبرامج تليفزيونية وإعداد مناهج، بحيث يتم تدريسها في مدارس العالم الإسلامي.. كما أنفقت ملايين الدولارات علي مفكرين ممن ينظر إليهم علي أنهم يمثلون النخبة المسلمة وعقد ورش عمل سياسية بهدف دعم الإسلام المعتدل. وكذلك بناء مدارس إسلامية ومساجد وتنفيذ برامج لإنقاذ ما وصفه الصحفي في تحقيقه 'بالقرآن القديم'.. علي أن يتم هذا كله من خلال استهداف وسائل الإعلام الإسلامية والزعماء الدينيين والأحزاب السياسية مع توفير كل ما تحتاج إليه المخابرات الأمريكية من أموال وأصول وقوة بشرية بما يضمن لها النجاح في خطتها من أجل التأثير علي المجتمعات الإسلامية حسب ما نقله الصحفي الأمريكي عمن وصفه بالمسئول البارز في المخابرات الأمريكية.. وأضاف الصحفي أن أساليب اختراق المجتمعات المسلمة ضمت العمل مع جماعات مسلحة باستثناء القاعدة إضافة إلي شن حملات سرية لنزع المصداقية من الزعماء المناوئين للولايات المتحدة الأمريكية.
كما طالب المجتمعون بتفعيل الدراسات التي أعدها مجلس الأمن القومي الأمريكي والتي تقدر بالمئات من أجل التعامل مع المجتمعات الإسلامية وكذلك استحداث منصب جديد هو منصب نائب مستشار للأمن القومي تكون مهمته التعامل مع المجتمعات التي تحتل مكانة استراتيجية لدي واشنطن.. وأضاف كابلان أن حرب كسب عقول وقلوب أبناء المجتمعات الإسلامية أتت بثمار تبعث علي الأمل مثل الحديث عن الانتخابات الناجحة في الشرق الأوسط والمظاهرات والاحتجاجات المعادية للتواجد السوري في لبنان.. وهو ما منح إدارة الرئيس بوش آمالا بتحقيق نجاح لكن عددا من الخبراء الأمريكيين أشاروا حسب ما ورد بالتحقيق إلي أن العالم الإسلامي مشكلاته أعمق من ذلك بكثير وأنها تنمو إلي الأسوأ وليس إلي الأفضل.. وأضاف الصحفي أن مجلس المخابرات القومي التابع للمخابرات الأمريكية أصدر تقريرا في ديسمبر الماضي يتنبأ فيه بأن الجموع الهائلة ممن يعانون من البطالة في العالم الإسلامي والعربي سيصبحون عرضة لتجنيديهم من قبل الجماعات التي تري واشنطن أنها إرهابية.. وضرب التقرير مثالا علي ذلك بالمقاومة العراقية التي تتعرض لضربات موجعة في العراق لكنها نشرت في العالم الإسلامي كله روح العداء للولايات المتحدة الأمريكية مشيرا إلي أن شائعات سرقة الجنود الأمريكيين لأعضاء جثث العراقيين وجدت لها طريقا ميسرا للنشر في و،سائل الإعلام العربية الرئيسية.. كما أن شرائط الفيديو واسطوانات الكمبيوتر الخاصة بمن وصفهم الصحفي الأمريكي بالجهاديين تجد لها سوقا خصبة للبيع في شوارع وعلي العواصم العربية علي أرصفتها.. وكلها تحمل أفكار زعماء دينيين يؤمنون بأن أمريكا تخوض حربا ضد العالم العربي وضد الإسلام نفسه.
كما أن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية أصدر تقريرا في شهر مارس الماضي أشار فيه إلي أن العلاقات الأمريكية العربية وصلت إلي أدني مرحلة لها منذ عدة أجيال.. وبالتالي تنوعت أدوات الحرب الأمريكية.. فكانت هناك وجهة نظر المخابرات الأمريكية بأن تكون حرب المواجهة تلك من خلال الدعاية الأمريكية والتأثير السياسي الأمريكي في مجريات الأحداث في العالم الإسلامي.
أما في وزارة الدفاع الأمريكية فكانت الدعوة للتركيز علي مصادر التأثير الاستراتيجية بكل السبل الممكنة بما فيها السبل العسكرية في حين دعت الخارجية الأمريكية إلي اتباع السبل الدبلوماسية.. ورغم هذا التباين في السبل التي يجب اتباعها إلا أن الجميع اتفقوا علي استخدام المعلومات كسلاح خطير في التأثير علي أصدقاء أمريكا وأعدائها في الخارج.. ومن هنا تفجرت فضائح أشرطة الفيديو المزورة والتقارير الإخبارية المفبركة والأموال التي دفعت لكتاب أعمدة للتمجيد والتسبيح بحمد السياسات الأمريكية والتهليل لها.. وهو ما أعاد للأذهان سيناريو القصة التي بدأت منذ نحو نصف قرن عندما تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع شيوعية الاتحاد السوفيتي السابق بكل ما حمله هذا التعامل من حرب أفكار وغزو للقلوب والعقول بملايين الدولارات.
العسكر.. وحرب الأفكار
ويمضي كابلان مشيرا إلي أنه أثناء حرب الأفكار الأمريكية ضد الشيوعية كونت الولايات المتحدة الأمريكية شبكة دعائية ضمت مفكرين وكتابا وصحفيين وممثلين.. ونشرت أمريكا مئات المتخصصين في فن صناعة المعلومات في الخارج كما جندت استوديوهات هوليوود بكل إمكانياتها الهائلة لكي تصدر للعالم معلومات عن 'خير أمريكا' و'شر الشيوعية'.. كما أنشأت مراكز ومكتبات أمريكية ثقافية في العواصم الأجنبية.
كما أطلقت محطتي راديو 'أوروبا الحرة' وراديو 'الحرية' الإذاعيتين.. واشترت أحزابا بعينها في اليابان وإيطاليا.. وخصصت مبالغ ضخمة لصحفيين كبار ومفكرين بارزين وزعماء سياسيين وكل هذا كان يتم تحت إشراف وكالة المعلومات الأمريكية التي أجبر الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون علي إصدار قرار بحلها ودمجها في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1999 علي اعتبار أن مهامها كانت مختصة بالحرب الباردة.. لكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عاود المسئولون الأمريكيون البحث عن كيفية توصيل رسائلهم لخارج الحدود الأمريكية خاصة بعد أن رفض كثيرون في العالم الإسلامي تصديق مجرد أن العرب كانوا وراء الهجمات التي وقعت ضد مبني البنتاجون ومركز التجارة العالمي.
ولهذا الهدف أنشأ المسئولون الأمريكيون 'تحالف مراكز معلوماتية' في واشنطن ولندن وإسلام آباد وباكستان.. لكن تلك المراكز اقتصر دورها علي إذاعة الأخبار الهامة ولم تحقق تأثيرا يذكر خاصة أن هناك شبكة من القنوات الفضائية العربية مثل قناة 'الجزيرة' تستحوذ علي القدر الأكبر من المشاهدة داخل العالم الإسلامي والعربي.. وعلي الرغم من ملايين النشرات التي تم توزيعها علي العالم الإسلامي بداية من الكتب الكوميدية وانتهاء بالمجلدات الكبري التي خصصت كلها لغسل الأدمغة فإن الولايات المتحدة الأمريكية انتهت إلي أن تأثير ذلك كله كان محدودا في مواجهة 'الحركة العالمية للإسلام المتطرف'.. وكرد فعل لذلك شكل القادة العسكريون الأمريكيون مكتبا جديدا للتأثير الاستراتيجي تكون مسئوليته شن حرب إعلامية ضد 'الإرهاب الإسلامي' وضد الفكر الذي ينتهجه تنظيم القاعدة.. لكن التقارير المفبركة التي صدرت من قبل هذا المركز عجلت بغلق أبوابه بعد أربعة أشهر فقط من افتتاحه.
'سوا' و'الحرة'.. ثنائي مخابراتي
ويضيف كابلان أنه كرد فعل لغلق هذا المركز أحس كولين باول بأن علي الخارجية الأمريكية دورا يجب أن تؤديه في إطار حرب الأفكار تلك.. وبالفعل أتي باول بشارلوت بيرز والتي رأست اثنتين من أكبر عشر وكالات إعلانية في العالم لكي تحمل علي عاتقها تلك المهمة.. وحسب ما نقله 'كابلان' عن بيرز فإن المهمة لم تكن سهلة خاصة أن ما قامت به من حملات إعلامية كان عرضة للنقد من جانب الصحف الأمريكية رغم أنها حققت نجاحات حسب قولها داخل المجتمعات الإسلامية.. وهو ما اضطرها للانسحاب في مارس عام 2003 في نفس الوقت الذي كانت فيه القوات الأمريكية تشن حربها ضد العراق.. وهي الحرب التي بدت في عيون وعقول وقلوب ملايين المسلمين في صورة تأكيد علي الامبريالية الأمريكية.
وبدا المشهد في إطار أن الولايات المتحدة الأمريكية تغزو وتحتل بلدا عربيا غنيا بالنفط وأنها تدس أنفها في قلب العالم وتدعم 'إسرائيل' علي حساب الفلسطينيين وتدعو للديمقراطية في ذات الوقت الذي تعتمد فيه علي رجال أقوياء من مصر وباكستان حتي أن أسامة سيبلاني × ناشر جريدة 'أخبار العرب' الأمريكيين ذهب به الحال إلي القول إنه حتي لو أتت أمريكا بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم لكي يدافع عنها فلن تتمكن من تحسين صورتها أمام العالم الإسلامي.. لكن هذا الرأي لم يمنع باول ومن خلفه كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية ومستشارة الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي آنذاك من مواصلة شن حرب الأفكار.. وذلك من خلال إطلاق قناة 'الحرة' الفضائية التليفزيونية عام 2004 لتضم إلي إذاعة راديو 'سوا' التي أطلقت عام ..2002 ويستهدف الثنائي 'راديو سوا والحرة' العرب والمسلمين وكلاهما يخضع لتأثير المخابرات الأمريكية ومتخصصين نفسيين تابعين لوزارة الدفاع الأمريكية كما تحظيان بتمويل أمريكي يزداد يوما بعد يوم.
الحرب ضد دين إلهي
ويشير كابلان إلي الثورة الأمريكية الحقيقية في مواجهتها لما يجري في العالم الإسلامي من أحداث اندلعت الصيف الماضي عندما بدأ مجلس الأمن القومي الأمريكي إعادة تفعيل وغربلة الاستراتيجية الأمنية الخاصة بالبيت الأبيض والمتعلقة بمحاربة الإرهاب.. حيث تبني المجلس استراتيجية جديدة تقوم علي تقوية ودعم المعتدلين وفتح قنوات اتصال معهم والاعتماد علي حكومات مسلمة ومؤسسات سرية وجماعات لا تمتلك الدعم المادي.. وتكمن صعوبة تلك الاستراتيجية × حسب ما نقله كابلان عن زينو باران المتخصصة في شئون الإرهاب بمركز نيكسون × في أن 'الحرب الباردة كانت سهلة.. أما الحرب الحالية فهي شديدة الصعوبة ففي الحرب الباردة كان كفاح الأمريكيين كفاحا ضد ايديولوجية سياسية غير إلهية.. أما هذه الحرب فتقوم علي عناصر دينية.. وهو ما يعني أننا أمام مجموعة تؤمن بأن حربها تستند إلي دين إلهي.. وأعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة تحركهم نزعات هذا الدين حتي ولو من منطلق ايديولوجي فاشيستي'.
وحسب ما أورده كابلان فإن المملكة أنفقت أكثر من 75 مليار دولار منذ عام 1975 لدعم ونشر الأفكار الوهابية الأصولية.. وقامت المملكة بتمويل مئات المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية بالخارج لمواجهة حركات الكفر والالحاد.. كما أنها دعمت الحركات الجهادية في حوالي 20 دولة. وهو ما جعل البعض داخل دوائر صنع القرار الأمريكي يطالب بتوسيع دائرة المواجهة من خلال فتح قنوات اتصال مع جماعات من خارج الدول الإسلامية.. اضافة إلي فتح قنوات اتصال من الأبواب الخلفية بأعضاء الجماعات الصوفية.. وكذلك مهادنة وتحسين علاقات واشنطن مع الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تنبذ العنف.. ويأتي علي قائمة تلك الجماعات جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست عام 1928 ويقدر عدد أعضائها بعشرات الآلاف في العالم كله..
ويضيف الكاتب أن كثيرا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن يوجهون انتقادات حادة لتنظيم القاعدة.. وينقل كابلان عن ميلت بيرد × الذي أمضي أكثر من ثلاثين عاما من حياته العملية في المخابرات الأمريكية× قوله: إن الإخوان المسلمين هم الطرف الأقوي في حل المشكلة مع تنظيمات مثل القاعدة'..
ويتمادي بيردن قائلا: إن ضباط المخابرات الأمريكية التقوا ليس فقط مع الإخوان المسلمين وإنما أيضا مع غيرها من الجماعات بما فيها تلك التي خرجت منها طالبان وبالتالي القاعدة.. كما فتحت المخابرات الأمريكية قنوات اتصال مع رجال دين ممن تعاونوا معها وأصدروا فتاوي تقضي بعدم شرعية الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية وأقنعت أعضاء الجماعات المسلحة الموجودين في السجون بنبذ العنف.
ويضيف الصحفي الأمريكي في تحقيقه أن المخابرات الأمريكية ابتكرت أساليب جديدة في حرب الأفكار تلك.. ومن بين تلك الاساليب أن الولايات المتحدة الأمريكية ضخت أموالا هائلة تم رفعها للجماعات الإسلامية المسلحة ذات المواقف المحايدة تجاه واشنطن.. كما أنها ذهبت لما هو أبعد بضخ أموال ضخمة للوعاظ المناوئين للولايات المتحدة الأمريكية بهدف خلق زعامات دينية بديلة.
وينقل كابلان عن أحد المصادر المخابراتية الأمريكية قوله 'الخطة تقوم علي أساس أنه إذا كان هناك الملا عمر بأحد الشوارع فلتحلق له الملا برادلي في الشارع الآخر'.. والأكثر من ذلك حسب ما ذكر الصحفي الأمريكي في تحقيقه أن المخابرات الأمريكية عمدت إلي انشاء مواقع انترنت جهادية.. كما أنها استهدفت وسائل الإعلام العربية والإسلامية وإن كانت قد فعلت ذلك بحذر شديد.. وكشف الكاتب الأمريكي النقاب عن أن مكتب تبادل المعلومات التابع للمخابرات الأمريكية استضاف في فبراير الماضي مؤتمرا تضمنت أجندته التركيز علي التأثير في ست دول هي الصين ومصر وفرنسا واندونيسيا ونيجيريا وفنزويلا.
مخطط بونابرت
ويمضي الصحفي الأمريكي في تحقيقه مشيرا إلي أن المخابرات الأمريكية لم تكن وحدها في حرب غزو عقول وقلوب المسلمين حيث لعبت الإدارة الأمريكية ومن ورائها كافة الدوائر الأمريكية المختصة بالتصديق علي الميزانية دورا بارزا في زيادة الميزانية الخاصة بتلك الحرب بما قيمته 1.3 مليار سنويا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. كما أن قناة الحرة استحوذت علي نسبة مشاهدة تراوحت ما بين 20 و 33 % من مشاهدي القنوات الفضائية في الدول العربية وهو رقم مشكوك فيه، وهو ما دفع المخابرات الأمريكية حسب ما ورد في التحقيق إلي التفكير في مد بثها إلي الناطقين باللغة العربية في أوربا وكذلك بث محطات اذاعية فارسية في إيران.. وعلي مدي السنوات الثلاث التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر زادت المساعدات الأمريكية للخارج بنحو ثلاث مرات لتبلغ ما يزيد علي 21 مليار دولار. وأكثر من نصف هذه المساعدات المالية تشق طريقها إلي العالم الإسلامي.. وتم تخصيص جزء كبير من هذه المبالغ لصالح الوجوه السياسية البارزة في العالم الإسلامي ممن تتفق أفكارهم الإصلاحية مع الأفكار الأمريكية إضافة إلي تمويل وسائل الإعلام المستقلة التي تتفق رؤاها مع الرؤي الأمريكية. كما أن جزءا من تلك المنح يوجه إلي الجماعات الإسلامية.. وفيما هو أشبه بمخطط نابليون بونابرت الاستعماري في التمسح بالدين الإسلامي كوسيلة وكسلاح لغزو عقول وقلوب المسلمين يشير الصحفي الأمريكي في تحقيقه إلي أن المخابرات الأمريكية والحكومة الأمريكية تعمدتا اختراق المجتمعات الإسلامية من خلال برامج ذات صبغة إسلامية كالمشاركة في الانفاق علي تمويل المساجد التاريخية في مصر وباكستان وتركمانستان.. أو المشاركة في تمويل أحد الأضرحة الصوفية قيرغيزستان أو الحفاظ علي نسخ من مصاحف يعود تاريخها إلي عصور قديمة.. كما أن جزءا من المساعدات الأمريكية تم تخصيصه لتدريب وعاظ المساجد وترجمة الكتب وإعداد البرامج التليفزيونية والاذاعية.. ومن بين تلك البرامج برنامج عالم سمسم الذي يعرضه التليفزيون المصري بانتظام.. وتتضمن أجندة هيئة المعونة الأمريكية اقامة ورش عمل لتوعية وعاظ المساجد المسلمين والمشاركة في إعداد مناهج دراسية بدءا من مناهج المدارس وانتهاء بالمناهج الجامعية.
ويمضي الصحفي في تحقيقه مشيرا إلي أن علي أمريكا أن تعرٌف الشعوب الإسلامية بقيمة تلك المساعدات. وعلي طريقة 'المعايرة' يشير الكاتب إلي أنه لا يعقل ألا يعلم المصريون أن حجم المساعدات التي تقدمها أمريكا لمصر هو الثاني، حيث إنه يقدر بنحو ملياري دولار سنويا.. كما أن واشنطن ومساعداتها ساهمت في توفير المياه النقية والصرف الصحي.

زعامات سياسية أمريكية الصنع

تقرير خطير أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن تحت عنوان 'من الصراع إلي التعاون.. كتابة فصل جديد من فصول العلاقات الأمريكية العربية'.. التقرير شارك في إصداره لجنة مكونة من تسعة عشر مسئولا من المسئولين الأمريكيين الحكوميين السابقين إضافة إلي عدد من الخبراء المعنيين بشئون العلاقات الأمريكية العربية .. ورأس تلك اللجنة ويليام كوهين وزير الدفاع الأمريكي السابق.. وإيد جابريل سفير الولايات المتحدة السابق لدي المغرب.. وكانت تلك اللجنة قد شكلت منذ عام مضي بهدف دراسة السياسات والعلاقات الأمريكية في العالم العربي.. وعلي مدي عام كامل عقدت اللجنة اجتماعات منتظمة.. وقام أعضاؤها بزيارات لم تنقطع إلي دول المنطقة أجروا خلالها العديد من الحوارات واللقاءات والاجتماعات.. وانتهت اللجنة في تقريرها إلي أن تأمين المصالح الأمريكية في العالم العربي يعتمد علي أمرين أساسيين .. الأول هو دخول الولايات المتحدة في حوار مباشر مع الحكومات العربية لحثها علي إجراء اصلاحات سياسية واقتصادية.. وأن تربط واشنطن بين التزام الحكومات العربية بتحقيق إصلاح سياسي واقتصادي وبين المعونات والمساعدات التي تقدمها واشنطن لهذه الدول .. وأن يتم ذلك من خلال توقيع معاهدات أمريكية مع تلك الحكومات العربية لالزامها باتاحة المناخ أمام نظام قضائي مستقل وكذلك حرية العقيدة الدينية والانفتاح الاقتصادي واتباع نظام انتخابي عادل ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها التي تشنها في المنطقة ضد الارهاب!!
أما الأمر الثاني فهو توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لمعاهدات مباشرة مع من تري واشنطن أنهم يمثلون الجيل القادم من الزعامات السياسية في العالم العربي علي أن تضمن واشنطن بموجب هذه المعاهدة دعم هذا الجيل بكل ما يريده من أجل تحقيق النجاح علي أن يتم ذلك من خلال انشاء مؤسسة شراكة بين أمريكا وزعامات هذا الجيل إضافة إلي المفكرين العرب وأعضاء منظمات المجتمع المدني.. وأن يكون من بين أهداف تلك المؤسسة ايضا دعم الجمعيات غير الحكومية بالأموال اللازمة لمساعدة الأسر الفقيرة ولو بتقديمها علي أنها قروض .. وماخفي كان أعظم!!