الجمعة، 31 أغسطس 2012

الهجوم والهروب من خطورة أسكاتوما الأحاسيس

     الناس لا يقدرون خطورة الأحاسيس؛ لأنهم لا يدركون أن تلك الأحاسيس قد تسبب لهم أمراضاً وتؤثر على علاقاتهم بالآخرين، قال تعالى:

"ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"

حينما يغضب الإنسان-وإن لم يتماد في غضبه- فإن المخ يدرك ذلك، ومن ثم يفتح ملفاً عقلياً يحمل نفس العنوان الذي أوحيت إليه به:(أنا غاضب) وكلما غضبت أدرجت نفس الأحاسيس والأفكار في ذلك الملف..وبالتالي تتراكم الأحاسيس يصل الإنسان حين يثار بأتفه الأمور إلى ذروة الغضب بسرعة.

ومن ثم نجد أشخاصاً-قد يكونون ماهرين في عملهم- حين يغضبون يفقدون توازنهم وقدرتهم على التحدث والتفاهم، وقد يتسبب ذلك في خسارتهم لأموالهم أو تسريحهم من عملهم أو قطيعتهم مع الآخرين، فهل سلوكهم هذا يرضى ربهم أو يحقق أهدافهم أو تتحسن صحتهم؟ بالطبع لا.. إذن لماذا يفعلون ذلك؟
   تتلخص الإجابة عن هذا السؤال في كلمتين:

البرمجة السابقة:تلك البرمجة التي يكتسبها  الفرد من الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام والمحيط الإجتماعي ككل، فضلاً عما يضيفه هو إلى ذلك..لقد حان الوقت ليدرك الفرد أن أحاسيسه ويتحكم فيها، حتى يستطيع أن يعبد ربه على نحو أفضل وأن يسعد بحياته الزوجية وأن يوثق علاقاته بأصدقائه..فمن البؤس ان يعيش المرء وحيداً وسط الناس، إن الله-عزوجل- قد خلق العقل للإنسان ليكون خادمه لا مديره، فإن جعلته مديرك، فسوف يدير لك فقط الملفات العقلية التي تمت برمجتها في الماضي؛ تلك الملفات التي أشار باحثو جامعتي سان فرانسيسكو وهارفرد إلى أن 90% منها ذو أثر سلبي لأن الفرد يكتسبها من المحيط الإجتماعي دون أي إدراك أو تحكم منه، وبالتالي قد تكون غير مناسبة للفرد وطبيعة معيشته في الحياة.

    على سبيل المثال قد يكون الوالدان من النمط العصبي سريع الإنفعال فيكتسب الطفل ذلك منهما دون وعي، مما قد يسبب له مشكلات أو تعسر في التعامل مع الآخرين حين يكبر ومن ثم فعلى الفرد أن يعمل على تصحيح تلك البرمجة السابقة وتنقيحها ومراجعتها أولاً بأول؛ حتى تتحسن علاقاته بالآخرين وبحياته..لقد أثبتت الأبحاث التي أجرتها الجامعات العالمية أن غليان الدم وإرتفاع ضغطه المفاجئ قد يؤدي إلى حدوث جلطات أو سكتات قلبية؛ لأن الدم يضخ بقوة إلى القلب فيرتفع معدل ضربات القلب في حين أن الفرد يلتقط أنفاسه بسرعة، مما يمنع الرئتين من الإمتلاء بالهواء وبالتالي يتأثر الجسم كله.
وقد يصل الأمر إلى حد الإصابة بالسرطان لأن الخلايا السرطانية موجودة في الجسم أصلاً وجهاز المناعة يقوم بالسيطرة عليها، ولكن الإنسان حين يغضب يشتعل كل عضو وكل جهاز من جسمه ويصير في حالة تأهب وإنشغال للدفاع ضد عرض ليس موجوداً؛  وبالتالي تسنح الفرصة للخلايا السرطانية لتهاجم الجسم وكثيراً ما تؤدي تلك التغيرات الفسيولوجية الحادة التي تصاحب ثورات الغضب إلى الصداع النصفي، نتيجة إلى ارتفاع ضغط الدم في المخ وقلة كمية الأكسجين الواصلة له.
   إذن فليتحكم الإنسان في أحاسيسه ليعيش حياة أفضل وأسعد فإذا كان الإنسان ودوداً أو كريماً متزناً أو رحيماً أو فظاً أو غضوباً أو مضطرباً فإن ذلك مرجعه يرجع إلى ما بداخله من أحاسيس ومشاعر.

    أنت والأسكاتوما؟

تكمن خطورة (الأسكاتوما) في أن الإنسان قد يعطي للعقل أمراً مباشراً بأنه غير سعيد، ومن ثم يلغي له العقل كل شئ يتعلق بالسعادة حتى يشعر بالحزن، وذلك لأن العقل البشري لا يستطيع التركيز إلا على معلومة واحدة في وقت واحد.

إن الأحاسيس تسبب النسيان أو ما يسمى (أسكاتوما) وهي تعني إعطاء العقل أمراً مباشراً بوجود أو عدم وجود شئ؛ فقد يضع المرء مفاتيحه في مكان ما ثم يعود ليبحث عنها فلا يجدها فيسأل شخصاً ما عنها فيفاجأ بأنها أمامه ولكنه لم يكن يراها أو أن يبحث عن نظارته ويتساءل عنها ولا يعي أنه يرتديها وما شابه ذلك كثير، فالأسكاتوما هي إعطاء العقل أمراً مباشراً بأن الفرد لا يرى شيئاً ما، وبالتالي يكون الشئ أمامه وهو لا يراه.
   وتكمن خطورة الأسكاتوما في أن الإنسان قد يعطي للعقل أمراً مباشراً بأنه غير سعيد ومن ثم يلغي له العقل كل شئ يتعلق بالسعادة حتى يشعر بالحزن، وذلك لأن العقل البشري لا يستطيع التركيز إلا على معلومة واحدة في وقت واحد؛ فحينما يعطي العقل أمراً مباشراً بخصوص موضوع معين فإنه يلغي ما سواه حتى يتمكن من التركيز على أمر واحد بدقة.

    إن الأحاسيس هي منبع الخوف بكل صوره؛ لذلك عندما تترك طفلاً وحيداً فإنه يصرخ وكذلك يخاف من الأصوات العالية فحين تصرخ في وجه طفل فإنه يخاف ويبكي، وهناك كتاب أجنبي بعنوان "كل شئ تحتاج إلى أن تعرفه عن الخوف المرضي" ذكر مؤلفه أن الإنسان حين يولد لا يعرف إلا صورتين من صور الخوف؛ وتصل مع تقدم السن إلى 1700 نوع من الخوف المرضي: خوف من المصاعد والطائرات وهي تصعد وتهبط وخوف منها والإنسان بداخلها ومن المستقبل ومن المجهول ومن الحشرات... إلخ.

إن الأحاسيس هي منبع الخوف وتسبب كل أصناف الخوف؛ فإذا عض كلب شخصاً ما مثلاً فإنه كلما رأى كلباً، فإن العقل يذكره بتلك الحادثة ويبدأ الجسم في إفراز الأدرينالين وإذا كان هناك طفل يلعب مع عنكبوت وكانت والدته تخشى العناكب ودخلت الغرفة فرأت ذلك وصرخت فإرتسمت على وجهها ملامح الخوف وسارعت بقتل العنكبوت، من ثم يتعلم الطفل الخوف من العناكب ويصرخ حينما يراها، فالأحاسيس هي منبع المشاكل والخوف المرضي بكل أصنافه ومجموعاته سواء أكان خوفاً بسيطاً أو إجتماعياً أو مركباً.

تسبب الأحاسيس ما يسمى fight or flight (الهجوم أو الهروب) فالإنسان قد منحه الله-عزوجل- العقل القادر على تحليل الأمور والظواهر، فالإنسان الأول حينما كان يسمع وقعاً شديداً ويحس بالأرض تهتز تحت قدميه ثم يرى بعد ذلك الديناصورات قادمة نحوه ثم تلتهم زوجته وأولاده تعلم أن يهرب عندما يحدث ذلك، ومن هنا يتكون ما يعرف بالfort اهجم لتنقذ حياتك أو اهرب لتنقذ حياتك.

وفي حالة الهجوم أو الهروب يفرز الجسم الأدرينالين مما يؤدي إلى ضخ الدم بقوة وسرعة في القلب والعضلات ويصبح الجسم في حالة الإستعداد القصوى وبه طاقة كبيرة تساعده على الهجوم أو الهرب حتى يستطيع الدفاع عن حياته.

حينما كان البطل العالمي(محمد على كلاي) يتمرن جرى مع مدربه خمسة أميال على الرمال ولما طلب إليه مدربه أن يجري ميلاً آخر، فقال له: لا أستطيع، فألح عليه مدربه.. لكنه أصر على الرفض، فرمى المدرب بنفسه عليه وجذبه بشدة إلى الوراء وقال له: ستجري خمسة أميال أخرى إلى الوراء، فثار كلاي وقال له: لماذا تفعل هذا معي؟ فرد عليه المدرب قائلا: أردت أن أثيرك حتى تستطيع أن تستغل قواك الكامنة، حتى يفرز الجسم الأدرينالين ويضخه في عضلاتك فيعطيك القوة الدافعة، ولأن البطل يصنع ما لا يستطيعه غيره وأنت بطل.

فالجسم يفرز الأدرينالين في حالتي الهجوم والهروب، ليصل الجسم إلى أقصى طاقته وقوته حتى يستطيع الإنسان أن ينقذ حياته حتى إن الحيوانات تفرز أجسامها الأدرينالين يكون في الحالات الحرجة لإنقاذ الحياة.. ولكن المشكلة أن بعض الأشخاص لا يستطيعون السيطرة على أحاسيسهم ومشاعرهم، وبالتالي حينما يزاحمهم أحد بسيارته أو يختلف في الرأي معهم تثور مشاعرهم وأحاسيسهم إلى حد بعيد، وتفرز أجسامهم نفس كمية الأدرينالين التي تفرزها في حالة الدفاع عن النفس وإنقاذ الحياة والعقل يفكر بنفس الطريقة أيضاً فيجب على الفرد أن يدرك ما يعتريه من مشاعر وأحاسيس، وأن يستطيع تقدير الموقف الذي يواجهه..هذا الإدراك والتقدير يجعل الفرد قادراً على تعديل سلوكه؛ لأنه بمجرد أن يشتعل العقل العاطفي ويبدأ الفرد في الدخول في مرحلة الهجوم أو الهروب يصبح غير قادر على التحكم في سلوكياته وتصرفاته.

يقول كثير من الناس:(( إنني حين أغضب لا أعقل ما أفعله وأتصرف في الأمور بتهور ودون تعقل))، وكثيراً ما يفقد الناس حقوقهم ويرتكبون الحماقات بسبب سرعة انفعالهم، ومن هنا تنبع أهمية التحكم في الذات.. إن التحكم في الذات يعد من أهم أسس التنمية البشرية ثم يليه فن الإتصال والتواصل مع الآخرين ثم الأهداف وكيف تحققها، والتحديات وكيفية مواجهتها وتذيل العقبات والصعاب ثم عمل المخ ووظائفه وكيف يقوم بالعمليات العقلية؛ وهذه الموضوعات يتم تدريسها وغيرها في التنمية البشرية حتى يتم إعداد الفرد ليصبح مهندساً أوطبيباً أومعلماً ماهراً بارعاً يستطيع فهم لغة الحياة والتفاعل معها، فقد نجد كثيراً من الناس يعجزون عن إستغلال قدراتهم والتحكم في أحاسيسهم ومشاعرهم رغم حصولهم على أعلى الدرجات والمناصب العلمية، وقد يطرد الفرد من وظيفته ويتم تسريحه من عمله، رغم كفاءته ومهارته بسبب عدم قدرته على التحكم في ذاته والسيطرة على أحاسيسه، فتراه يثير المشاكل لأتفه الأسباب أو يتطاول ويخطئ في حق رؤسائه في العمل أو نحو ذلك، إن كثيراً من الناس من فوران أحاسيسهم واشتعالها يصبحون شديدي العدوانية ويفقدون السيطرة على أنفسهم ومن ثم يتصرفون بحمق وعنف فيسببون المشاكل ويثيرون المتاعب لأنفسهم ولغيرهم وقد تنفصم علاقاتهم بكثير من أصدقائهم وذويهم مصداق ذلك قوله تعالى:"ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك فأعف عنهم"

إذن يجب على الفرد حينما يشعر أن الأحاسيس بدأت في الإشتغال وأنه يفكر تفكيراً سلبياً، أن يلتزم بالإدراك والملاحظة ويستطيع الفرد أن يتدرب على هذا السلوك أي التحكم في الذات حتى يصير عادة له يفعلها تلقائياً..ويعد الصوم أقوى الإستراتيجيات لترويض النفس وتقويمها وغرس هذه الصفة فيها.

المرجع:كتاب كيف تتحكم في شعورك وأحاسيسك للدكتور إبراهيم الفقي.