القرآن كتاب شامل، ومنهاج حياة متكامل، وله مهمة واقعية مطردة، وطبيعة حركية حية، ورسالة حضارية عاملة، ووجود وتأثير مستمريْن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وعلى القارئ الذي يريد أن يحسن التعامل مع القرآن والتلقي عنه والتأثر به أن يحسن نظرته له أولاً، فإن الزاوية التي ينظر منها والمنظار الذي ينظر من خلاله والصورة التي يرسمها له والمهمة التي يتوقعها له، إن لهذه الأمور كلها ارتباطاً مباشراً في كيفية التعامل مع القرآن.. بعض الناظرين إلى القرآن والمتعاملين معه والقارئين له ينظر له نظرات جزئية فرعية هامشية ثانوية.. فهو كتاب للشفاء والتعاويذ والرقى عند بعضهم، وهو كتاب شامل للعلوم والمعارف والثقافات عند آخرين، وهو كتاب تضمن أرقى أساليب البيان والبلاغة والفن عند فريق ثالث، وهو كتاب حوى من أخبار الماضين وقصص السابقين وأحوال العالمين، وهو كتاب للفقه والأحكام واللغة والآداب والفكر والخيال.. وهو كتاب مبارك للبركة والتيمن، وبعد هذا كله مجال للأجر والثواب، حيث لقارئه عشر حسنات بكل حرف من حروفه... الخ. ونحن لا ننكر وجود هذا كله في القرآن وشموله له وإشارته إليه، ولا يجوز لنا أن نفرغه من هذه الأمور.. لكن توفر هذه الأشياء فيه شيء، وأن نقصر نظرتنا له عليها فقط شيء آخر.. إننا لو فعلنا ذلك فسنفرغه من محتواه ونعطله عن دوره ومهمته ونقع في خطأ النظرات الجزئية الناقصة.. وبعض الباحثين في القرآن يقسمه إلى موضوعات، ويبحث عن مفرداته وعباراته وإشارته إلى كل موضوع منها، فهذا يبحث عن قصص القرآن، والآخر عن غيوبه، والثالث عن علومه أو عن تشريعاته أو إشاراته إلى التاريخ أو علم النفس أو الإرادة أو الثقافة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو غير ذلك، ومنهم من يبحث في مصطلحاته ومفرداته كالصبر والصلاة والتقوى والخلافة والدعاء والحكم والجهاد.. وغير ذلك، ومنهم من يحاول تصنيف سوره وآياته وفهرستها وبيان ما تضمنته من موضوعات وعلوم ومعارف.. وهذه جهود طيبة خيرة، وأصحابها مثابون إن شاء الله – على حسب نياتهم فيها- لكنها لن تكون كاملة متكاملة شاملة، ولن تلم بالموضوع من كافة أطرافه أو تحيط به من كل جوانبه، حيث سيفوت أصحابها الكثير من اللمحات والإشارات واللفتات القرآنية للموضوع الذي يبحث أحدهم فيه.. وإلقاء نظرة فاحصة على نتاج هؤلاء في هذا المجال كافية للخروج بهذه الحقيقة.. ولا يُفهم من كلامنا إلغاء العمل والبحث في هذه الموضوعات، وعدم جدوى أو صواب أو صحة ذلك، وإعدام تلك الكتب والأبحاث والدراسات!!! فهذا لا بدَّ منه، ولكن نحب أن تكون عند هؤلاء الباحثين وعند القارئين لنتاجهم ودراساتهم هذه الحقيقة، وهي أن القرآن الكريم عملاق ضخم، عملاق في طبيعته وفي مهمته وفي رسالته وفي إعجازه وفي علومه وموضوعاته وفي مناهجه ونظمه وتشريعاته وفي كل ما حواه وأشار إليه.. عملاق ضخم تستحيل تجزئته ويصعب تقسيمه. النظرة الكلية الشاملة للقرآن هي المفتاح الأول للتعامل معه، وهي المنطلق الأساسي لفهمه وتدبره والتلقي عنه، وسيجد فيه هذا الناظر البصير ما يبحث عنه الآخرون من موضوعات وأمور جزئية جانبية يجدها في أثناء التعامل معه، فتكون نظرات ثانوية مكملة لهذه النظرة ومتممة لها تزيدها مكاسب وعلوماً ومعارف.. وعلى القارئ للقرآن الذي يريد النظرة الكلية الشاملة له أن ينظر في الآيات التي تعرض صفاته وسماته، والتي تشير إلى طبيعته ورسالته ومهمته، ثم يلتفت إلى نظرة الصحابة له – نظرة كلية شاملة- ليعرف كيف يتعامل معه ويعي عنه. ويستطيع أن ينطلق من حديثنا في ما سبق من هذا الكتاب عندما عرضنا حديث القرآن عن القرآن، وكلاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وعبارات لصحابة وتابعين في وصفه. * أهم المصادر والمراجع: - مفاتيح التعامل مع القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي. - مقدمات لتفسير القرآن: الشيخ حسن البنا. - المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني. |