الأحد، 22 ديسمبر 2013

حيوان الرنه




لطالما سار رجل الشمال عبر العصور في أثر غزال الرنة، يسرد في الأساطير الخرافية المنتشرة هناك أن روح ذلك الحيوان في القطب الشمالي اللطيف تحملها الرياح لتحمي وترشد الشعوب اللابية، استطاع غزال الرنة عبر العصور أن يحمي ويحافظ على دفء الشمال وبمرور الأزمان بقيت العلاقة ما بين الناس والحيوانات على ما كانت عليه.

لكن الحال في الشمال الشرقي كان مختلفًا، فقد كانت غزلان الرنة البرية تجوب مناطق الأشجار الصنوبرية وأشجار البتولا عبر فنلندا، تأكل الأشنة خلال أشهر الشتاء وترعى في مناطق التندرا عندما يذوب الثلج استطاعت قطعان الرنة أن تنجو بفضل الله تعالى من خطر الحيوانات الضارية كالوشق والدببة والذئب في القطب الشمالي.

إلى أن جاء الصيادون، مع بداية القرن المنصرم لم يعد غزال الرنة البري الذي يعيش في الغابات موجودًا في فنلندا.

فعملية الاصطياد غير المقيد قضت على ذلك النوع، بعض الجيوب استطاعت أن تعبر الحدود إلى روسيا، إلا أن فنلندا قضت على وجود غزال الرنة البري في مواطن تواجده في الحياة البرية.

لقد مر قطيع كبير من هنا حديثًا، على الأرجح خلال الساعة الماضية، آثار الحوافر هذه حديثة جدًا وجهاز تقفي الآثار يشير إلى وجود حيوانات على مسافة قصيرة من هنا، أعتقد بأن عددها يبلغ حوالي الثلاثين حيوانًا.

مارس كاوكو كيلبياينان الصيد طوال حياته، حيث اصطاد الثعلب الأحمر والموظ في القطب الشمالي، فلا أحد يعرف التندرا الفنلندية كما يعرفها كاوكو ، لكنه اليوم يقوم بالبحث عن غزال الرنة ليس بهدف الصيد، فقبل عامين بدأت منظمة الاصطياد الفنلندية بتنفيذ مشروع لاستعادة غزلان الرنة البرية، يهدف المشروع إلى توفير سبل الحياة لتوطين أعداد من غزلان الرنة البرية وذلك للحفاظ على نقاء هذا النوع.

يعد الاصطياد هو السبب الرئيس الذي ساهم في القضاء على غزلان الرنة البرية، أما الآن فإننا نود إصلاح الأمور، فالغزلان البرية مخلوقات جميلة، والوقت قد حان ليرى أبناؤنا ما الذي كنا على وشك أن نخسره.

قبل بضع سنوات عاد أول غزلان الرنة البرية عبر الحدود الروسية إلى كوهمو غربي فنلندا، هذه المرة تم سن قوانين صيد أكثر صرامة لتأمين سلامتها، إلا أن عملية ضمان نقائها الجيني كان أمرًا مستحيلاً تقريبًا بسبب وجود أعداد من الغزلان الداجنة في المنطقة، حيث تتداخل مناطق غزلان الرنة البرية مع الحدود الجنوبية لمنطقة تربية الغزلان، وهي مساحات من الأرض الطبيعية يستخدمها المزارعون لرعي قطعانهم، والتزاوج فيما بينها هو أمر يتعذر اجتنابه.

إن بناء سياج على مساحة ثمانين كيلومترًا هو أمر يثبط الهمة في أي وقت، فما بالك في بناءه أثناء فصل الشتاء الفنلندي القارس حيث تصل درجات الحرارة إلى ما دون الصفر وارتفاع الثلج يبلغ المتر، المعطيات قاسية حقًا، لكن السياج أمر ضروري لمنع تزاوج غزلان الرنة البرية مع قطعان الغزلان الداجنة.

يتحكم المزارعون بامتياز في هذه المنطقة من العالم حيث يسمحون لغزلانهم بالرعي حيثما تشاء أثناء أشهر الصيف.

لمنع غزلان الرنة البرية من عبور الطرق المؤدية إلى مناطق تربية الغزلان، يتم وضع قضبان من الفولاذ عند كل تقاطع طريق، الطريق ممهدة الآن أمام غزلان الرنة البرية للمحافظة على نقاء سلالتها إلى حد بعيد كي تجوب التندرا مرة أخرى.

كاوكو يعلم بأن القطيع قريب من المكان، بعكس نظيراتها الداجنة فإن غزلان الرنة البرية جبانة، فهي تجزع من أي صوت، يقوم كاوكو بنصب مصيدة، عليه أن يفحص أطواق الأجهزة اللاسلكية، منذ بضعة أشهر تم القبض على خمسة إناث ووضعت تلك الأطواق حول أعناقها، إذا كان هناك خلل في الأطواق فإن عملية تقفي أثر القطيع بالنسبة لـ كاوكو عبر البرية الفسيحة تصبح أمرًا مستحيلاً تقريبًا.

بعض العشب سيقودها إلى هذا المكان المسيج، إن الطعام قليل في الشتاء والغزلان البرية ستنساق وراء الطعم المالح والرائحة الحلوة للقش، يراقب ايلكا بيلتولا مشروع غزلان الرنة البرية مثل كاوكو مارس "ايلكا" الصيد طوال حياته، عملية نصب فخ ليس بالأمر الجديد بالنسبة لـ إيلكا، إلا أن الهدف هذه المرة ليس الإهلاك وإنما الحفاظ على الغزلان.

يستخدم الصيادون المركبات المخصصة للسير على الثلج بهدف تقصي وسوق الغزلان نحو الأماكن المسيجة، إن ارتفاع الثلج ما يقارب المتر يجعل عملية السير بعيدًا عن الطريق أمرًا صعبًا جدًا، واستخدام المزلجة سيكون شديد البطء، يتحرك قطيع كبير منزعجًا من الصوت، منذ أول رجوع لغزلان الرنة البرية من روسيا بدأت أعدادها تزداد بشكل بطيء ولكن مضطرد، إن الغزال البري مشابه للغزال الداجن إلا أنه أطول بحوالي خمس عشرة سنتيمترًا وقرونه أطول وأكثر تشعبًا، لقد تخلصت معظم الوعول الذكور من قرونها، أما الإناث فتحتفظ بها إلى ما بعد فصل التزاوج، ويكون ذلك عادة في نهاية فصل الربيع.

تعود السكينة إلى الغابة، عملية تجميع القطيع لاقت بعض النجاح، فقد تبع خمسة من غزلان الرنة البرية الطعام نحو المكان المسيج وهي الآن تتوق للخروج.

يقوم كاوكو بتفقد الغزلان تبدو جميعها في حالة صحية جيدة لكن لا توجد على أي منها الأطواق اللاسلكية، على الصيادين محاولة العثور على غزال مطوق، لكن يجب إطلاق سراح هذه المجموعة بالسرعة الممكنة.

قلة التواصل ما بين الإنسان والغزلان البرية تسبب الفزع لدى الأخيرة مما قد يؤدي لإحداث إصابة ما، إن المجموعة ليست بحاجة إلى التشجيع للخروج إنها تنتقل بخفة فوق الثلج الندي حتى تختفي في الغابة، تقودها حاسة الشم والغريزة نحو القطيع، يحاول الظبي الصغير العثور على البوابة، هذه أول تجربة له في الأسر في عمره الذي لا يتجاوز أشهرًا حيث يفقده الخوف إحساسه بالاتجاهات، تدريجيًا يعاود الشعور بالألفة المعهودة مع الغابة.

ينبعث صوت حزين في الجو البارد بينما يبحث الظبي الصغير عن أمه، لن تكون التجربة في المرة القادمة محبطة لهذه الدرجة.

تأتي عاصفة ثلجية خفيفة علامة على انتهاء فصل الشتاء، النبات في هذا العام جاء قليلاً، لكن البراعم الغضة والأشنة بدأت تنبثق من الأرض الدافئة، تغير الفصول يحمل في طياته التغيير الدائم وهو نهاية السبات الشتوي، فطوال أشهر الشتاء الستة في فنلندا يكون الدب البني نائمًا تحت الثلوج في وكره المكون من جذور الأشجار متمرغًا بالأوراق والتراب الغض، في البداية يبدأ بتحريك جسده الهزيل الذي استهلك الشحوم المخزنة فيه خلال فصل الشتاء والذي يطلب الطعام الآن، على الرغم من أنه حيوان من العواشب إلا أن الدب سيطوف بحثًا عن طريدة من الثدييات الكبيرة في فصل الربيع.

تناول وليمة مؤلفة من الموظ أو غزال الرنة مفيدة جدًا لإعادة بناء جسده بشكل أفضل من تناوله للأعشاب أو التوت البري، كما أنها ستسد جوعه بشكل أسرع.

بينما تطوف غزلان الرنة البرية بحثًا عن الطعام فإن نظيراتها المدجنة لا تواجه مثل هذه الصعوبة، طوال عقود طويلة كانت الغزلان سببًا في بقاء الناس في المناطق القطبية.

فالقطيع الذي يتمتع بصحة جيدة سيوفر اللحم والدفء والمأوى لمالكه، لكن يبقى الخطر محدقًا بسبب الحيوانات المفترسة.

هناك جماعة صغيرة من الذئاب تحوم بالقرب من القطيع الذي يرعى الكلأ، إنها إحدى أكثر الحيوانات المفترسة، والتي يعتبرها معظم مربوا الغزلان الأكثر إيذاءً.

يعد الذئب في فنلندا من الحيوانات التي تشرف على الانقراض فبالكاد يجوب اليوم مائة منها المناطق البرية من البلاد شرقًا وشمالاً.

يعتني أولافي بقطيعه، فمعظم الإناث فيه ستلد في الشهر القادم، وهو يعلم إلى حد كبير كم من الصغار الحديثة الولادة سيتم افتراسه، ينادي أولافي غزالته مونيكا التي اعتنى بها منذ كانت ظبية صغيرة، كسرت إحدى قوائم مونيكا وعوضًا عن قتلها أخذتها زوجة أولافي إلى البيت لتصبح حيوانها البيتي المدلل، أما الآن فإن مونيكا تشارك القطيع حياته وهو الأمر الأكثر عملية والذي تفضله كثيرًا.

ربع مساحة الأرض تقريبًا يستخدم لرعي قطعان الغزلان لكن مساحة معظم هذه المنطقة تعد جغرافيًا ضمن المناطق القطبية والشبه قطبية النائية، حيث اعتبرت الزراعة والمشاريع التي قد يقوم بها الإنسان أمرًا غير ممكن حتى زمن غير بعيد.

أما اليوم فإن المنطقة تعج بالعربات الثقيلة لإعادة تعمير واستزراع الغابات كونها تشكل إحدى المصادر الطبيعية الهامة في فنلندا، كما وأن المناجم وعملية استخراج النفط في المنطقة تشكل خطرًا على تربية الغزلان التقليدية.

إلا أن المهمات الملقاة على عاتق المزارع في الوقت الحاضر أصبحت أسهل بكثير، ففي السابق كانت القطعان تطعم يدويًا أما الآن فجاءت الآلات لتسرع العملية ولتسهل الأمر من الناحية الاقتصادية ولتزيد من الوقت اللازم للغزلان كي تتزاوج.

يرتدي أولافي حزامًا عليه نفس العلامة التي يضعها لغزلانه على آذانها، توسم صغار الغزلان في آذانها عند الولادة، وبذلك يستطيع "أولافي" تمييز غزلانه من بين آلاف الغزلان الأخرى بواسطة هذه العلامة كما أن هذه العلامة تمنع عمليات السرقة.

في الشتاء شديد البرودة تكمن أهمية الغزلان حيث تستخدم جلودها ولحمها بالإضافة إلى المنتجات الثانوية مثل العظم والقرون المستخدمة في صناعة الحلي ومقابض السكاكين، الأمر الذي يعتبر مربحًا للأعمال التجارية والسياحة.

إن الدور الذي تلعبه الغزلان هو الأهم في عملية تشجيع السياحة في فنلندا، ففي فصل الشتاء يصطف الزوار في طابور لركوب مزلجة تجرها الغزلان.

كل صباح يغادر بيكا ساميكي خيمته التقليدية ليعمل في معمله الأكثر راحة ودفئًا، إن بيكا من سلالة السامي، وهي مجموعة في منطقة لابلاند وهي منطقة شمالية جرداء، تمتد ما بين فنلندا وروسيا والسويد والنرويج.

تعتمد حضارة السامي على استغلال الطبيعة للعيش، بالإضافة إلى تربية الغزلان والصيد يعمل الكثير من السامي في السياحة وفي الحرف اليدوية التقليدية كمصدر للدخل.

يبدو بيكا كأحد الأقزام وهو يقوم بعمله المعقد في حفر الكليشيات على الملاعق المصنوعة من قرون الغزلان.

هذه إناث غزلاني الحوامل ستسقط قرونهن قريبًا، بعد أن تلد الشهر القادم، لكن عليَّ أن أطعمها مرتين في اليوم، حتى تبقى قوية، إن الغزلان تحافظ على دفء لابلند، الشيء الوحيد الذي لا يستغل فيها هو أنفاسها، لحمها ودمها مليئان بالفيتامينات، وقرونها تستخدم لصناعة الهدايا للسياح، وجلدها يستخدم لصناعة الملابس والأحذية، ليس هناك ما هو أكثر دفئًا من معطف مصنوع من جلد الغزال.

لطالما استخدم شعبنا الكلاب لرعي غزلانهم، لكن الآن أصبح الأمر أسهل باستخدام الدراجة المخصصة للسير على الثلج، لقد أصبحت الكلاب كسولة، فهي نفسها أصبحت تحب ركوب الدراجة لأنها دافئة، وهي لا تريد أن تعمل.

وهب الله تعالى الغزلان في المناطق الباردة خصائص مختلفة عن أقربائها في الأقاليم ذات المناخ الأكثر دفئًا.وبفضل الله تعالى ورحمته كانت تلك المميزات سببًا في تأقلم الغزلان مع البيئة المتجمدة للمنطقة القطبية والشبه قطبية، الحوافر العريضة تمكن الغزال من الحفر عميقًا في الثلج بحثًا عن الطعام، والحوافر المرنة التي يمكن أن تنبسط تمكن الغزلان من السير فوق الطحالب والمستنقعات في فصل الصيف أو على العبور فوق الثلج في فصل الشتاء الطويل، ومخالب الأصابع الأمامية للظلف المشقوق للغزلان تكون على شكل نصف دائرة، عندما تسير الغزلان فوق الثلج الطري أو لمستنقعات السبخة فإنها تفرد أصابعها الأربعة بحيث يصبح ضغط السطح تحت حوافرها أقل ما يمكن.

يتطاير الغبار الثلجي الأخير قبل الربيع عبر الريف حتى يذوب، قريبًا ستصبح الغابة أكثر كثافة بسبب أوراق البتول مندمجة مع الشجار الصنوبرية لتشكل قبة زيتية رائعة هذه هي أيام الظلال الطويلة، حيث تحوم الشمس فوق الأفق طوال الأيام.

ولكن بينما يجلب الفصل الجديد بفضل الله تعالى الكلأ لقطعان الغزلان فإن الطقس الدافئ يعني ازدياد أعداد السياح وازدياد حركة السير التي تشكل تهديدًا للغزلان أكثر من أي مجموعة ذئاب مفترسة، حيث تقتل في كل صيف آلاف الغزلان الداجنة في الشوارع الفنلندية، أثناء تجوال القطعان بحرية بحثًا عن الطعام، بخلاف الحيوانات الأخرى فإن الغزال لا يجزع من صوت المركبة المقتربة أو من صوت بوق السيارة وهو غالبًا ما يثب مسرعًا نحو الغابة عند اللحظة الأخيرة لعبور أي مركبة.

  Deer mating season wallpapers

عندما رق الجليد وأوشك الشتاء على الانتهاء عثر على جثة ذئب كانت مدفونة في الجليد، أطلق النار على هذا الذئب بعد هجومه على كلب صياد، بقيت جيفته محفوظة طوال خمسة أشهر في الثلج حيث سقط، لم يبق في فنلندا سوى أقل من مئة ذئب رمادي في مواجهة الأسلحة النارية.

تكشف القرون المطاطية تمويه غزال الغابة البري، هذان القرنان اللذان يرمزان إلى القوة والذكورة، هما كتلة من الدم ومح العظم المكسوة بالفرو، خلال فترة نمو القرون في فصل الصيف يكون الغزال في الحالة المخملية نظرًا إلى نعومة قرونه، القرون في الحالة المخملية مطلوبة لأغراض العلاج الآسيوي التقليدية.أما عندما تصبح صلبة وتسقط، فإنها تباع بغرض صنع التحف المصنعة يدويًا.

لكن للقرون فائدة أخرى أكثر عملية، يتحقق الذكر الأكبر من إحرازه النصر، خلال فصل الصيف تعيش ذكور الغزلان بمعزل عن الإناث والعجول، لكن التمهيد للدورة الفردية أو للتزاوج هو الوقت للعدائية وللإفرازات الهرمونية الذكورية.

حيث يصبح عرف الرقبة أطول وأكثر سماكة ويصبح المزاج حادًا، وأي احتمال للهجوم على الإناث يصدر من قبل الحامي.

المواجهات شائعة بين الذكور في فصل الصيف، لكن الإصابات نادرة، إن معركة تشابك القرون قد تؤدي إلى انقصاف إحدى القرون والتي قد تؤدي إلى إصابات في العين أو الخطم، مع ذلك فإن عملية اهتزاز القرون وإصدار الأصوات والنفخ هي الأمور التي تعطي انطباعًا قويًا ومحمودًا أمام القطيع والإناث.

لقد أثبت الذكر قوته فيقوم بسوق فريقه نحو الغابة، بعيدًا عن المنطقة العارية.

هناك موظ فضولي يراقب القطيع، إنه أحد أعضاء عائلة الغزلان الكبيرة، إنه من سلالة الأيائل في أميركا الشمالية، إنه منزو وخجول فالموظ في القطب الشمالي قليلاً ما يشاهد إذ أنه يفضل هدوء الغابة على الأماكن المفتوحة كالتندرا.

لا يعرف الكثير عن أصول فصيلة الغزلان البرية عثر على بقايا الأيائل في أميركا الشمالية في شمال كندا في يوكون، ويقدر العلماء عمر هذه البقايا بثلاثة آلاف سنة، بينما دجنت شعوب الـ سامي التي تقطن لابلاند الغزلان لأول مرة منذ زمن قريب.

يتم الرعي السنوي للقطعان خلال فصل الخريف حيث تستغل عملية التزاوج بين الذكور والإناث من الغزلان، فالذكور التي تحمي مجموعة إناثها تسهل عمل جامعي قطعان الغزلان.

يتم وضع كل مجموعة من الغزلان الداجنة في زرائب منفصلة لوسمها والتأكد من خلوها من الطفيليات.

يتم ذبح أكثر من مائة ألف غزال سنويًا في فنلندا سبعون بالمائة منها عجول، يتم الذبح تحت إشراف طبيب بيطري ويتم توزيع اللحم على تجار الجملة حيث يحفظ ويعالج ومن ثم ينقل إلى المتاجر ليباع بالتجزئة.

يؤمن الغزال الكبير ما يقارب الستين كيلوغرامًا من اللحم، يعتبر لحم الغزلان سلعة رئيسة في فنلندا، ومازالت عملية العناية بالغزلان أمرًا مهمًا اليوم تمامًا كما كانت عليه منذ عقود مضت.

تصاب الإوزة الصغيرة بالفزع فهي تشعر بالخطر المحدق من أعماق الغابة، إنه الشره أكثر الضواري المخيفة على الإطلاق، فهو نادر الوجود ولكنه متوحش جدًا، ويعتبر أكبر حيوانات الدلق الصنوبرية في أوروبا، إنه الشره حيوان قمام بشكل أساسي لكنه في الشتاء يقتل أي كائن يمكنه القبض عليه، ممزقًا إياه إلى قطع ثم يخزن اللحم كي يأكله لاحقًا، يهاجم حيوان الشره عجول الغزلان، ويطارد قطعان الغزلان بهدف التريض، إن وزن الشره الخفيف يخوله التنقل بسرعة فوق الثلج، يعد أي غزال طليق لقمة سائغة له.

لكن يقال بأن أكثر ما يهدد حياة الغزلان هي الـ "راكا" وهو الاسم المحلي لمجموعات البعوض أو البقة أو الجرجس والذباب الأسود التي تمتلئ بها منطقة التندرا خلال أشهر الصيف، تقود هذه الحشرات الماصة للدماء قطعان الغزلان نحو الهضاب الأكثر برودة ونحو المستنقعات حيث تتوفر للفروة التحتية بعض الحماية.

معظم العجول تولد في أيار أو حزيران، تحمل الإناث الأجنة لأكثر من سبعة أشهر، وتسير العجول الوليدة بعد ساعة من الولادة، وتبدأ القرون بالنمو بعد بضعة أسابيع، تحتفظ الإناث بقرونها كي تحمي صغارها من الحيوانات المفترسة، تتخلص من هذه القرون بعد فترة قصيرة من الولادة، القرون لدى الإناث تمنحها فرصة أفضل للدفاع عن كمية الغذاء الشحيحة من الذكور.

يسود التوتر بين القطيع الذي يشعر بالخطر، فالرعي في الغابة قد يبعد الحشرات لكن هناك قوة تترصد بين الظلال، إنه الدب البني العاشب بشكل أساس ولكنه يفضل اللحم في حال توافره، إنه وقت حرج وخطر لعجول الغزلان، والإناث مهتاجة ومتحمسة لجعل القطيع يتوجه نحو منطقة أكثر أمنًا.

يشتم الدب القطيع لكن الأوان قد فات، يضرب القطيع أرض الغابة بحوافره فزعًا ومنتشرًا، فقد سبق ورأت أقرانها تقع فريسة لهذا الحيوان المفترس الضخم، يبتعد الدب خائبًا بحثًا عن وجبة أقل تعقيدًا، لكن هناك المزيد من المتاعب بانتظار القطيع حيث يختال غزال الرنة البري بين القطيع بتكبر محاولاً اختيار إناثه، فحجمه يكبر حجم الأيل الداجن وله قرون أرفع وأطول.

كما أن لديه قوائم أطول ووجه داكن اللون، وهو بشكل عام يتمتع بقوة أكبر، إن صوته ذلك أمر نادر ويحاول صيادوا فنلندا تفسير مثل هذه الحالة بالتحديد، فعملية اختلاط غزال الرنة البري بغزال داجن تعني إضعاف الصفات الوراثية، فإذا تركت عملية التزاوج ما بين غزلان الرنة البرية والغزلان الداجنة دون ضبط فإن ذلك سيؤدي تدريجيًا إلى التقليل من حجم وجودة النوع البري، مضعفًا بنيتهم وصفاتهم الوراثية، لكن ذلك كله لا يعني القطيع كثيرًا، على الرغم من الحذر فإنهم يتجاهلون وجود ذلك الغزال الدخيل مفضلين التمتع بتناول أعشاب الغابة الغضة.

يأتي الشتاء باكرًا هذا العام وبدأت التحضيرات للسبات، هناك عائلة من كلاب الراكون تنطلق بسرعة نحو وكرها الجديد بينما يستمتع آخرون بالجلوس في العاصفة الثلجية.

لم يعد بإمكان الغزلان البرية الاستفادة من تمويه الغابة فتخيف الخلفية البيضاء القطيع، إنه وقت مليء بالتوتر بالنسبة إلى هذه المخلوقات الجبانة، سريعة التأثر بمحيطها والتي يصعب الحفاظ على أعدادها.

يتعقب كاوكو كيلبيلنينان صغار غزلان الرنة منذ عدة أيام لقد تم تعقبها بواسطة طوق يبث إشارات لاسلكية والذي سيحدد للصيادين الأماكن التي يجوب فيها القطيع.

لا يعرف الكثير عن غزلان الرنة البرية، نحن لا نعرف كم من المسافات تقطع في اليوم الواحد، إنها لا تنتقل كثيرًا في فصل الشتاء بسبب الثلوج، ليس هناك ألفة بين غزلان البرية والمزارعين الذين يربون الغزلان الداجنة، لأن المزارعين يخيفون قطعان الغزلان البرية، لكن المزارعين يرفضون وضع أية أسيجة لذلك فإنه علينا السيطرة على الغزلان البرية بأنفسنا.

القبض على غزال بري ووسمه بعلامة فارقة قد تكون تجربة فيها مجازفة، لأن لديه قوائم قوية يمكنها أن تكسر عظام ظهر أي حيوان مفترس.

يزن الذكر البري نحو ثلاثمائة كيلو جرامًا ويصل طوله مترين تقريبًا، هذه الأنثى أصغر حجمًا ولكن لحوافرها لكمة لا يستهان بها.

يلعب الوشق في الغابة مع فريسة غير حقيقية، مثل معظم الهررة فإنه سوف يتعلم الصيد بالمطاردة والهجوم وليس السرعة.

يكبر حجم الوشق القطط المنزلية بقليل لكن مكره يجعله أكثر الحيوانات المفترسة تهديدًا لغزال الرنة البري، تراقب الأنثى القطيع بينما يقوم ابنها بحركاته الغريبة، يعرف عن الوشق أن بإمكانه قطع رأس غزال كبير.

يحتاج الوشق الكبير إلى كيلوجرام تقريبًا من اللحم يوميًا، وبعد أن يأكل حاجته فإنه يدفن الجيفة في الثلج أو تحت الأرض ليأكلها فيما بعد.

أكتشف كاوكو أمرًا مأساويًا، لقد افترست مجموعة من الذئاب الجائعة غزال الرنة البري هذا بلا رحمة.

دفعت المضايقات بالذئاب إلى التوغل أكثر في المناطق البرية ولم يبق منها اليوم في فنلندا سوى حوالي المائة.

تقتل الحيوانات المفترسة آلاف الغزلان كل عام بالرغم من تعويض المزارعين عن خسائرهم في قطعانهم فإن في ذلك القليل من العزاء لـ كاوكو، إذا استمر قتل ذلك المخلوق فمن الصعب دراسته واكتشاف أسرار أنواعه وخصائصه المختلفة.

إن عدد الصيادين نسبة إلى عدد السكان في فنلندا مرتفع أكثر من أي بلد آخر، يجوب الغابات اليوم ربع مليون صياد بحثًا عن الذئب أو الموظ أو الثعلب الأحمر، لطالما كان الصيد أساسيًا لأسلوب الحياة الفنلندية، إن أول من قطن هذه المنطقة الجرداء شديدة البرودة هم الصيادون، لكن بالنسبة إلى بعض الصيادين فإن إعادة الأمن إلى الغزلان البرية يعكس تغييرًا في الموقف تجاه الصيد.

حاليًا يتم تأسيس مراكز تدريبية لكن التشديد اليوم يرتكز على إدارة الصيد والتثقيف أكثر منه على عملية القتل غير المقيد، قلة من الصيادين ستستهدف هذا الحيوان مرة أخرى بعد إعادته إلى فنلندا.

بالنسبة إلى ايلكا بيلتولا فإن هناك حيوانات أخرى يمكن اصطيادها.

بعض الناس مازالوا يرغبون في اصطياد غزال الرنة البري لأنه حيوان صريح النسب، لكن الأعداد ستصبح محدودة لأولئك الذين يسببون الأضرار للمزارع والمحاصيل.

لأننا لا نريد أن نخسر غزال الرنة البري مرة أخرى، أشعر دائمًا بالسعادة الغامرة عندما أرى غزال رنة بري ذلك لمعرفتي بأننا أعدناهم إلى فنلندا لن أصطاد غزال رنة بري مرة أخرى لأنني عملت معها لفترة طويلة

تطعم "أولا" غزلانها خلال فصل الشتاء الأشنة التي تجمع من صخور وأشجار الغابة، بالنسبة لشعب السامي لم يتغير الكثير من أسلوب حياتها خلال ستة آلاف سنة تقريبًا، فموطنهم "لابلاند" في فنلندا يشكل آخر تخوم أوروبا الغربية، وقد نجوا بفضل الله من الحروب والاحتلال والاضطهاد الديني.

حياة هؤلاء الناس تتمحور حول غزلان الرنة البرية غير أن قيمتها لا يمكن أن تقاس ببساطة من الناحية الاقتصادية، فالرنة جزء من مناطق القطب الشمالي سواء كانت حيوانات داجنة أم برية يربيها الصيادون الفنلنديون.

لقد ساعد الصيادون الفنلنديون بفضل الله تعالى في وجود حياة مستقرة للغزال البري ولكن ثمة مؤشرات مقلقة في المستقبل.

فخلال الخمسين سنة القادمة سوف تستولي مشاريع الإنماء الصناعي على ثمانين بالمائة من مناطق القطب الشمالي كما يتوقع الخبراء، دافعة بالحياة البرية نحو حافة الانقراض.

يشير البرنامج البيئي للأمم المتحدة بأن التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة، وإنشاء الطرق ومشاريع إنمائية أخرى ستدمر المنطقة إذا استمرت هذه المشاريع بوتيرتها الحالية، يظهر تقرير الأمم المتحدة أن الطرق تقلص من أعداد غزلان الرنة والموظ والتي تشكل أكثر الأصناف تأثرًا، بينما تفزع الطيور في القطب الشمالي من أصوات حركة المرور، ويعتقد بأن ذلك سيؤثر على الحياة البرية، وسيقصيها بعيدًا عن الطرق عشرين كيلومترًا تقريبًا.

يعتقد العلماء أن تدخلنا في توازن النظام البيئي في القطب الشمالي سيؤدي تدريجيًا لأن نشهد اندفاع أعداد من الحيوانات القمامة مثل الثعلب الأحمر على حساب بعض الطيور المهاجرة المميزة والحيوانات الثديية وستنخفض تدريجيًا أعداد الكائنات مثل غزال الرنة البري وقد تختفي كليًا في بعض الأحيان.

تاريخ فنلندا حافل بالاضطرابات، فطوال عقود قارعت هذه الأمة الصغيرة الحروب ومزقتها الاحتلالات وحطمتها الاختلافات اللغوية لقد قسمتها ومزقتها الأمم المجاورة مثل روسيا والسويد.

تظهر آثار الحرب في كل مكان على هذه الأرض المتجمدة، لكن الله تعالى كتب لها النجاة في النهاية، ووهب سبحانه غزال الرنة البري الحياة من جديد، فهل سينجح الفنلنديون في الحفاظ على ثروتهم هذه أمام الزحف العمراني والتطور الصناعي الكاسح؟! هذا ما نأمله.