السبت، 25 أغسطس 2012

لا يستحقون إشمئزازك لهم

    

حينما يكون الإنسان جنين في رحم أمه لا يستطيع أن يحدد ما هو الشكل الذي يولد عليه؛حيث فطرته بكونه غير مدرك لهويته أو لأي شئ من معالم حياته ولذلك يقول الله-عز وجل-:"ويعلم ما في الأرحام" ..حيث أخص الله-عزوجل هذا العلم الكامل لكل المعالم الخلقية والحيوية والجسمانية للأجنة بأن يكون في علم غيب الإنسان لكي لا يتجرأ أصحاب العلم على الله-عزوجل- ويطمحون في إختراق حدود الله بمعرفتهم نوع جنس الجنين وحالته الطبية وكيانه الصحي..والدليل على ذلك إبهام العلماء حتى الآن لمعالجة الإعاقات والتشوهات التي تصيب الأجنة والتي هي إبتلاء من الله-عزوجل- للإنسان قبل أن يولد لكي تكون من إحدى تحديات الحياة التي تظهر المعدن الثمين داخل الإنسان لكي يرضى بحكم الله ويحاول أن يتأقلم على حياته بتجاوز كل المعوقات مهما إنتهكته المتاعب العصيبة.

   هنالك كثير من النماذج البشرية الناجحة التي ساءت قدراتها الجسمانية في مصادفة القدر الذي لم يستثناه أي أحد،ومن أهم الأمثلة الرائعة التي تؤكد قوة إرادة الإنسان..البطل خالد حسان وإليكم بقصته:

ترك المدرسة وإكمال دراسته بالمنزل وفي أحد الأيام وبينما هو يسير على ضفة نهر النيل لاحظ أن هناك مجموعة من المعوقين يتدربون على السباحة في ناد خاص لهذه اللعبة وفي الحديث معهم اتضح أنهم يشتركون في مسابقات سباحة للمعوقين ولأنه مولع بالسباحة انضم وبدون تردد إلى هذا الفريق وبدأ معهم في التدريب وفي عام 1978 حصل على الميدالية الذهبية وأصبح من أبطال مصر للسباحة وقاده الحماس المتأجج للعودة إلى المدرسة وحصل على درجات ممتازة وبدأ في ممارسة رياضات أخرى للمعوقين وفي عام 1980 اشترك في الاولمبياد الخاص بالمعوقين وكان مندهشاً لمستوى المهارات التي وصل إليها المتسابقون الآخرون وفي عام 1981 حدثت نقطة تحول هامة في حياة هذا الشاب حيث قرر أن يعبر بحر المانش ونصحه من حوله بعدم القيام بهذه الخطوة لأن درجة الحرارة فيه تبلغ ثلاث درجات مئوية فقط وهناك تيار كبير في المنطقة مما يشكل خطورة كبيرة عليه وقال له النقاد إن المسافة لعبور القنال تتعدى الثلاثين كيلو متراً وأن كثيراً من الأبطال كانوا في أتم الصحة وفشلوا في عبور هذه المسافة وقيل له أنه ما زال صغير السن وأن وزنه أقل من ستين كيلو غراماً وهو معوق وهم لا يعتقدون أن باستطاعته عبور المانش وهذا مستحيل ولكن الشاب لم يعبأ برأيهم بل عاهد نفسه على أن ينجح في محاولته للعبور وفي يوم من الأيام عرض عليه أن يشترك في سباق لعبور القنال الانجليزي بشرط أن يتحمل هو المصاريف وبدون تردد وافق على الفور وفي عام 1982 بدأ في فترة تدريب لستة أشهر ثم دخل تجربة التأهيل للسباق وكانت أدنى سرعة مطلوبة 3.5كيلو متراً /ساعة ورغم أن سرعة الشاب كانت فقط ثلاثة كيلومترات في الساعة إلا أنه أقنع اللجنة المسؤولة بقبوله للاشتراك وأخيراً سافر إلى انجلترا وبدأ في التدريب المكثف لمدة أربع ساعات يومياً وكان كل شيء على ما يرام حتى قبل السباق بيومين فقد أحس بألم شديد في أذنه واكتشف الطبيب أن هناك كيساً دهنياً ملتهباً في أذنه وأنه لا يستطيع الاشتراك في السباق بسببه وطلب الشاب من الطبيب أن يستأصل الكيس الدهني وفعلاً تمت إزالته بعملية جراحية وطلب الطبيب من الشاب أن يلتزم بالراحة لمدة أسبوع على الأقل مما يعني عدم اشتراكه في السباق وشعر الشاب بأن حلم حياته على وشك الانهيار ونصحه من حوله أن يلتزم بتعليمات الطبيب وينتظر حتى السباق التالي ولكن الشاب أصر على المشاركة مهما كلف الأمر وقامت اللجنة المشرفة على السباق بتعيين حكم خاص لمراقبة حالة الشاب خلال السباق وبدأ الشاب عام 1982 رحلة مصيره على شاطئ دوفر في انكلترا وبعد 12 ساعة و39 دقيقة وصل للشاطئ الفرنسي وبإنجازه لهذا النجاح رغم شراسة المياه والمتاعب الكثيرة التي واجهته كان هو أسرع من أي سباح آخر حتى الأعلى لياقة والأتم صحة وجسماً وأصبح بذلك أول شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة يعبر بحر المانش وبعد أن فاز بهذا السباق قال: "أنا أتساوى الآن مع أي سباح آخر بل أي شخص آخر وأستطيع أن أقوم بأي عمل يقوم به أي شخص آخر وباستطاعتي أن أنجزه حتى بطريقة أفضل "

   المشكلة الملموسة لدى صاحب أي إعاقة جسدية 

أو تشويه خلقي هي مواجهة المجتمع، يعول قلق غير عادي لعدم وثوقه في تقبل الناس له..فلا ذنب له في ظهوره غريب عن الناس بل هو الذي يشعر بغربة غير طبيعية لأنه ناقص الكيان؛ حتى وإن كان يتغلب على نقصه بتحفيز باقي قدراته لتعويض ما أصابه من عجز ، كثير من أصحاب الإعاقات يختبئون من الناس لكي لا يروا نظرات طاعنة لكل من يقشعر من هيئتهم البدنية.. فهل لنا ان نتخيل شخص ولد وهو لا يستطيع أن يسلك النهج الطبيعي الذي ينمو عليه أي طفل بالإضافة إلى خلل تصرفاته التي تجعله يتألم حينما ينظر لمرآته ويرى في نفسه نقص عن الآخرين، خاصة وإن كان هؤلاء الآخرين من أصحاب التعجيز للطموحات وهدم الأحلام.

كيف يمكننا أن نتفقدهم بغرابة نظراتنا ونحن نظن أنهم محل شفقة وإحسان، بل منهم من يفضل أن يكسر مقت نفسه على إبتلاء ربه أفضل من أن يكسره الآخرين؛ وإن لم نكن نستطيع أن نمد لهم يد العون يجب على أقل تقدير أن نمنحهم الطاقة الإيجابية التي يفتقدونها لكي ينضموا الى حشد المعمرون في الأرض ونستفيد من قدراتهم المكبوتة، فيجب أن نعلم أن الله-عزوجل- يعطي لكل منا نعم متساوية مع غيره فالناس كلهم سواسية..من رزقه الله-عزوجل- بالصحة منعه المال ومن رزقه بالخلف الصالح منعه السلطة ومن رزقه علم منعه قوة ومن رزقه النسب العالي منعه الحرية ومن رزقه الأمان منعه الحب ومن رزقه الجمال منعه الحنان..ميزان الرحمن-عزوجل- لايختل أبدا مهما تمرد عباده بشحنات وساوس الشيطان عدوهم اللدود.

   الملفت للنظر أن كثير منا ينتج كثير من المواقف الكوميدية التي يكون ضحيتها أصحاب العيوب ولا يشترط أن يكونوا معوقين أو أصحاب عاهات؛ بل يقتصر الأمر على إنسان أسمر البشرة أو قصير القامة والعكس أو غير سلس النطق أو لديه ذلة ملازمة له، وهذا يجبرنا أن لا نرهق أذهاننا في إحصاء عيوب الناس بل الأصح أن نتفقد نقاط ضعفنا لكي يكون لنا درع من القوة الذاتية يحمينا من أي عدو متغطرس يسعى الى تمزيق حياتنا، واليقين الغني داخل العقل المتزن هو أن نعلم أن ألد أعداءنا هي نفسنا التي تعتم الصورة أمام أعيننا.

   القاعدة الثابتة التي يقف عليها كل من لديه نقيصة هو أن يقدر قيمة حياته لأنه إن نظر الى حقيقة إنسانيته سيعلم أن من رحمة الله-عزوجل- أن لانعرف ميعاد وفاتنا للمنية..لأن لا يوجد شخص يمكن أن يغير الواقع إلا إن قام بتغيير أفكاره أولاً، وإن أردنا أن نحيا للأبد في أذهان الناس يجب أن نترك أعمال بناءة لمن حولنا لكي لا تنقطع أنفاسنا بعد الموت إلا في جسدنا الفاني بل سنكون بذلك باقيين في آثارنا المتبقاه عن حصاد حياتنا.