الأربعاء، 29 يناير 2014

قصة منقذ القرية

انطلق الفتى "ابراهيم أبو دية" من منزله في قرية صوريف إلى المراعي الخضراء. جمع ابراهيم أبو دية خرافه..و أخذ يعدها واحد, اثنين, ثلاثة , أربعة...عشرين خروفا.. و حمل عصاته و سار بالخراف إلى المراعي.. جلس على الحجر و امامه الخراف تأكل العشب الأخضر و هو هانىء البال , مرتاح...و عند العصر أعاد ابراهيم عد خرافه العشرين, و ساقها امامه إلى بيته في "صوريف", فأدخلها حظيرة المواشي و دخل إلى أمه...
كانت أمه في المطبخ تعد العشاء للعائلة قال ابراهيم ابو دية لوالدته:
- لماذا كل هذا التحضير , و لماذا كل هذا "الكعك" و "البرازق"و "الفتوش" هل عندنا عزومة؟
ضحكت والدته و قالت: " لا ...فغدا موسم النبي موسى...و والدك سيخرج للموسم و أنا أحضر له "الزوادة" ...
تحمس ابراهيم و قال:
- أخرج معه يا والدتي...نعم أريد أن أشارك في موسم النبي موسى هذا العام ايضا...
- و الخراف؟... يرعاها أخي الصغير.
نام ابراهيم أبو دية و هو يحلم برحلته السعيدة هذه...انه لا يزال يذكر العام الماضي عندما سافر معى أهل القرية إلى مقام سيدنا موسى ...و هاهو ينتظر بشوق كبير رحلته هذا العام و سيجهز نفسه ...و سيجهز علمه "البيرق" ليحمله طوال الرحلة.


استيقظ أهل البيت مبكرين ...لبس الأب و الأم و ابراعيم أحسن ملابسهم, و حملت الأم زوادة الطريق... و خرجوا من البيت ...و اذا بالشارع يزدحم يسكان القرية, كل يحمل زوادته,بعضهم يركب "الكروسة" يجرها حصان أو حمار....
و بعضهم يمشي على قدميه و بعضهم يركب الباص... و ابراهيم يحمل علم صوريف و يركب الكروسة يجرها حماران, و الجميع يتجه إلى مدينة الخليل...و في الخليل صلى الجميع في الحرم الابراهيمي الشريف و اتجهوا على القدس.
صاح ابراهيم: هذه جموع نابلس با أبي, أعرفها من أعلامها ...و هذه الجموع من مدينة يافا ...و تلك من حيفا ...و تلك من الناصرة و من صفد يالله ما أروعهاو ما أجملها .. كل المدن الفلسطينية تشترك بموسم النبي موسى هذا. و كل مدينة تحمل علما يختلف عن المدينة الثانية و سيكون علم صوريف أعلى علم...
و فجأة قال ابراهيم أبو دية : انظري يا أمي إلى تلك النار.
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013قالت الأم: لا تخف يا ابراهيم فتلك مشاعل يشعلها البعض ليتسلى بمنظرها و يتبارز الشباب بالسيوف أمامها .... و يرقصون الدبكة و يقومون بالألعاب و حلقات السمر ....اذهب اذا أردت و أرقص معهم ولا تتأخر.
و في اليوم التالي صلى ابراهيم في الجامع الأقصى و شاهد الصخرة المشرفة و تحرك مع أهله و مع موكب القرى و جموع الناس الى مقام النبي موسى قرب أريحا....انتشر الجميع في الوديان و الجبال.و نصب البعض الخيام, و اتجه البعض ضيوفا على أهالى مدينة أريحا...و ابتدا النشاط يدب في المركز "الاسلامي" التابع لمقام النبي موسى حيث كانوا في المركز يقومون بطهي اللحم و الأرز و خبز الخبز و توزيع الأكل مجانا لكل الناس..
حمل ابراهيم صينية اللحم و الأرز و الخبز الساخن و بدا يأكل وهو يقول:" كل شىء هنا لذيذ و ممتع..زو الزهور متفتحة و الحشيش يملأ الأرض و شقائق النعمان تملأ المكان ألسنا في شهر نيسان شهر الربيع و الجمال؟! ما أروع هذا..!

و في يوم من الأيام استيقظ ابراهيم أبو دية مبكرا كعادته و خرج إلى حظيرة الماشية يخرج خرافه من الحظيرة ليتجه بهم إلى المراعي الخضراء..كان يوم ثلاثاء..يذكره ابراهيم أبو دية و لا ينساه و كان في 17 نيسان 1930. خرج و رأى العبوس و الغضب على وجوه الناس ..كل دكاكين البلدة لم تفتح أبوابها..و كل المزارعين و الفلاحين و الشيوخ يتجهون الجامع و الجميع عابس..ساكت..لماذا؟ ما الأمر من مات يا ترى؟..
اعاد ابراهيم الخراف للحظيرة, وانطلق إلى الجامع يستفسر عن الأمر من ابيه.
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013قال الأب: اليوم يا بني يتم اعدام ثلاثة من أبناء الشعب الفلسطيني تعدمهم حكومة الانجليز لأنهم يدافعون عن ارضهم و بلدهم.
يندهش الفتى ابراهيم و يسأل والده: كيف و لماذا..و من هم؟ ثلاثة أبطال هم: فؤاد حجازي و عطا الزير و محمد الجمجوم. الأول من مدينة صفد و الثاني و الثالث من مدينة الخليل.
- الخليل؟ مدينة الخليل التي نمر بها كل عيد و نذهب اليه كل جمعة؟ نعم, و سوف يشنقونهم لأنهم يدافعون عن المسجد الاقصى في القدس و عن الحرم البراهيمي في الخليل.
- المسجد الاقصى؟..لماذا؟ و من يهدده؟..
قال الأب: الأنجليز يا بني ...الأنجليز يحضرون اناس غرباء هم يهود صهاينة يريدون ان يعطوهم أرض فلسطين , و القدس و الخليل و حتى المسجد الأقصى.
انصرف "ابراهيم ابو دية" يفكر. كان يحس دقات قلبه وقد ازدادت و علا صوتها, و كان يحس و كان الارض التي يحبها سوف ياخذها منه هؤلاء الغرباء اليهود الصهاينة ... و يساعدهم في ذلك الإنجليز المستعمرون ......فهل يسكت؟

راود ابراهيم فكرة و أحب أن ينفذها فيسار إلى القدس و أخذ يدق باب دار الحزب العربي الفلسطيني.
فتح الحاجب الباب و قال: ماذا تريد ايها الشاب؟ أريد أن أقابل القائد " عبد القادر الحسيني"...
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013تلفت الحاجب يمنة و يسرة خشية أن يكون أحد يراقب المكان ...خاف ان يكون أحد من الإنجليز يراقب هذا الشاب الصغير ليعرف منه أخبار قائد الثورة"عبد القادر الحسيني" ثم قال: ماذا تريد منه؟....أريد أن أقابله شخصيا ...سمعت أنه يحارب الإنجليز و اليهود و انه يدافع عن القدس و الخليل و صوريف...و أنا ايضا أريد أن أدافع عن أرضي لقد أحببت هذا القائد كثيرا ولذلك أريد ان أراه و أن أخدمه و أن أساعده في ثورته..
- يا بني كم عمرك؟! ... مد ابراهيم قامته ليبدو أكبر من عمره و قال: عمري سبعة عشر عاما..
- بل أقل من هذا ..أنت صغير على الثورة با بني ..اذهب إلى بيتك فالحرب قاسية....بل أريد ان اقابل القائد ..لن أذهب..
قال الحاجب و قد رأى اصرار هذا الشاب: ان القائد في الجبل يدرب الثوار.. فرح ابراهيم و قال: اذهب إليه أينما يكون ..أذهب لوحدي. دلني على مكانه.
ذهب "ابراهيم أبو دية" لمقابلة القائد "عبد القادر الحسيني" , كان يريد و باصرار أن ينضم للثورة حالا و أن يحمل السلاح حالا , فقال القائد:
- سنجربك يا ابراهيم معنا..ابق معنا لنرى قدراتك و قوة تحملك ... ثم التفت القائد إلى نائبه و قال: نختبره بارسال بعض الرسائل إلى المناضلين في الجبال.... و بمرور الأيام , اثبت ابراهيم جدارته و أصبح ممن يعتمد إليه.


نظر القائد إلى رفاقه قائلا: يجب نقل كمية كبيرة من الأسلحة إلى بعض الشباب الذين يحاربون في قرية "خربة علين" قرب قرية صوريف فكيف تقترحون ذلك؟...
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013هب الفتى ابراهيم أبو دية و قال: أنا أيها القائد ...انا انقلها لكم.
قال القائد : لا ....هذه كمية كبيرة من الأسلحة , و نحن نخاف ان يستولي عليها الإنجليز لقد يعبنا جدا في الحصول على السلاح و شرائه, و لا يمكن أن نفرط بضياعه للإنجليز, ثم انهم لو رأوك تحمل فشكة واحدة, فسوف يعلقونك على المشنقة , فكيف بك تحمل كل هذه السلاح؟....
وقف ابراهيم أبو دية و قال: أنا راعي غنم...فهل يشك أحد براعي غنم فقير الحال مثلي؟!
ساق ابراهيم عشرة خراف أمامه ..و حمارين..و و ضع على كل حمار خرجا كبيرا. و انطلق يرعى خرافه قرب قريته صوريف...ثم انحرف إلى "خربة علين"......حيث كانت المعارك تدور بين المناضلين و الإنجليز ...و كان المناضلون بحاجة إلى الذخيلرة و الأسلحة.
تقدم ابراهيم إلى المنطقة دون خوف او وجل ...كان يلبس قمبازا و يضع حطة و عقال...تقدم إلى الخربة أكثر و أكثر.....
فصرخ فيه القائد أبو الوليد... أين ..إلى أين أنت ذاهب؟ إلى أبي الوليد هل تدلني علي؟ لماذا؟ سكت ابراهيم...فقال أبي الوليد بعد فترة صمت و تأمل: نعم أنا منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013هو فماذا تريد مني؟
دفع ابراهيم أبو ديه الحمارين إلى أبي الوليد و قال: خذ هذا لك من القائد "عبد القادر الحسيني"...فتح أبي الوليد خرج الحمار فاذا به مليء بالقنابل و الأسلحة و الذخائر..فاحتضن أبي الوليد ابراهيم فرحا, ثم نادى على أصحابه قائلا: تعالوا....تعالوا..أيها الشباب تعالوا ..فلقد جاء المدد..جاءت الذخيرة و الأسلحة...
سافر القائد "عبد القادلر الحسيني" إلى مصر يعد العدة للثورة و للجهاد المقدس.و بدأ بشراء الأسلحة من مصر, و من ليبيا ..كان السلاح ضروري للشباب الذين قدموا أرواحهم للمعركة ..و كان المناضلون يشترون أسلحتهم بأنفسهم مهما غلا ثمنها..المهم أن يتوفر السلاح...و لقد توفر الان جزء كبير منه فكيف سينقله إلى فلسطين؟
- أنا أتولى نقله ...قالها ابراهيم أبو دية ... أنا أنقله و أخبئه في مخابىء سرية في قريتي صوريف..
قال عبد القادر الحسيني: حذار يا ابراهيم فالعملية ليست سهلة ..جنود الإنجليز في كل مكان .... لا تخف أيها القائد..
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013استأجر ابراهيم عددا من الجمال و جهز عددا من رفاقه المخلصين , و بدأ بنقل الأسلحة عبر صحراء سينا و صحراء النقب . ثم طلب من أصحابه أن يوزعوا السلاح و الذخيرة على مخابىء و مغارات مختلفة ..فأخفى مجموعة في قرية "بير زيت " قرب القيادة العامة لقائده "عبد القادر الحسيني"...و أخفى مجموعات في مغاور قريته صوريف..و سلم مجموعات لمعسكر التدريب في "حلحول".
هناك في "حلحول"...القرية القريبة من "صوريف" , بدأ ابو ابراهيم ابو دية يدرب الشباب العرب على ما تدرب عليه:حمل السلاح, الزحف على الأرض, رمي القنابل, الركض , الهجوم, الانسحاب..الخ و كان يقول لهم:
- أيها الشباب , امامنا جهاد طويل و صعب, فحربنا ضد عدوين:
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013المستعمرين الانجليز و المهاجرين اليهود..هؤلاء المهاجرين الذين حضروا من انحاء العالم ليحتلوا القدس و الخليل و صوريف..و كل فلسطين ..لذلك سوف يتم تدريبكم لمدة ثلاثة شهور فقط, ثم نوزعكم سرايا حراسات على مناطق قراكم و مدنكم..سرايا حراسة في القدس, و سرايا حراسة في صوريف و سرايا حراسة في حي القطمون في القدس...
ثم قال لنفسه : و أما سريتي...فستكون سرية ضاربة متحركة..و سوف أختار أشجع المقاتلين و أكثرهم جرأة لسريتي هذه...فاذا احتاجت سرية الدفاع في القدس معونة لازدياد الهجوم عليها من الأعداء نحضر لنجدتها . و لو احتجنا قوة ضاربة لقطع طرق مواصلات مستعمرة يهودية , نحضر للضرب حالا.
مشى " عبد القادر الحسيني"و بقربه "ابراهيم أبو دية" قال عبد القادر: في جنوب القدس توجد مستعمرة " كفارة عصيون" اليهودية ..لقد أرسلت من يستطلع أمرها فقالوا أن المستعمرة ليست قرية يهودية امنة ..انها مستعمرة مسلحة , بل قل انها مركز حصين لجنودهم و أسلحتهم..و قد قاموا بالهجوم عدة مرات من هذه المستعمرة , على قرانا العربية. فماذا ترى يا ابراهيم؟
قال ابراهيم: تاتي امدادات هذه المستعمرة من القدس, أليس كذلك؟ نعم.
- إذن نقطع عليهم الطريق غلى القدس..ساذهب اليوم أنا و مجموعتي الضاربة و نبني الاستحكامات الاسمنتية في الطريق ..و نمنع وصول أي سيارة غلى مستعمرة "كفار عصيون عن طريق القدس.
حوصر اليهود في كفار عصيون..لم يستطيعوا الخروج منها أو الدخول اليها.. و مضت الأيام و الأسابيع و المستعمرة محاصرة..و هذه المجموعة "سرية ابراهيم" تحاصر الطريق و تمنع وصول أحد على المستعمرة.
و فجاة في صباح أحد الأيام و في حوالي الساعة الرابعة صباحا جاء من قرية صوريف بعض الشباب يركضون تجاه مقر"ابراهيم ابو دية" , قالوا: إلحق...إلحق...يا ابراهيم ..ما لا يقل عن الخمسين رجلا صهيونيا يحملون اسلحة و معدات عديدة يمشون قرب قرية صوريف, يريدون الالتفاف و الدخول غلى مستعمرة "كفار عصيون" مشيا على الأقدام من الجهة الأخرى ..
كان اليهود قد يئسوا من التغلب على قوات ابراهيم أبو دية من الطريق الرئيسي..فجهزوا عددا من جنودهم و حملوهم معدات و ذخائر و اسلحة و تركوهم في طريق جبلي وعر يمر من قرب قرية صوريف ليصلوا ليلا و مشيا على الأقدام غلى مستعمرتهم "كفار عصيون"..

و لكنهم ضلوا الطريق و مروا قرب قرية "أم الروس" حيث كان هناك رعاة غنم من قرية صوريف يرعون أغنامهم في ذلك الصباح الباكر, فما أن رأوهم حتى اسرعوا إلى ابراهيم القائد يخبرونه بذلك... أسرع ابراهيم إلى رجال سريته، كان عنده سيارة جيب عسكرية , فاخذ يحمل كل عشرة بالسيارة, و يذهب إلى الطريق الوعري و و يتركهم هناك بعد أن يعين مراكزهم و ثم يعود لاخذ عشرة غيرهم..و هكذا حشد رفاقه حول الجنود الصهاينة و ابتدأ الهجوم..عشر ساعات من الاشتباكات من كل جهة و انتهى كل شيء.
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013" يا الله قتلنا ثلاثين من جنود العدو و استسلم الباقون مع أسلحتهم..و الأهم من هذا كميات السلاح الكبيرة التي حصلنا عليها منهم , كانوا يحملون سلاحا متطورا و حديثا و كانوا يريدون نقل السلاح لأصحابهم في المستعمرة , فاستولينا عليه كله و اصبح عندنا الان اربعة مدافع حديثة و كمية كبيرة من البنادق ."
قال عبد القادر الحسيني: أتدري يا ابراهيم يوم جئت للإشتراك بالثورة و كنت مراسلا صغير السن؟..يومها قلت في نفسي هل يمكن لراعي غنم ان يمسك البارودة و يقود ثورة؟..الان يا ابراهيم أشهد لك ان عقلك النير و طموحك الكبير و و حبك لوطنك يؤهلك ان تكون بمركز رئيس أركان جيش..
قال ابراهيم و هو يشير على شقائق النعمان تملأ أرض فلسطين: أترى هذه الزهور أيها القائد ..أترى شقائق النعمان و نسميها هنا " الحنون"..يقولون انها تكثر في الأرض عند موت كل شهيد يستشهد في سبيل وطنه. و أنا أحب أرضي أحب القدس و الخليل و صوريف..و أحب شقائق النعمان هذه...!!
في مدينة القدس و في أجمل حي من أحيائها الجديدة –حي القطمون- وقف الشاب ابراهيم أبو ديه يتحدث مع بعض رجال الحي قال: حي القطمون هذا من أجمل مدينة القدس . و هو مرتفع و مشرف على مدينة القدس القديمة ...و أطماع اليهود فيه كبيرة ..يريدون أن يحتلوه . فماذا أعددتم لذلك؟

قال رجل: هناك بعض الشباب من الحي قد تدربوا للدفاع عن الحي... و سأل اخر: على من تقع مسؤولية حماية الحي؟إن عدد شباب الحي المدرب محدود و الخطر فادح.
قال ابراهيم: إن مسؤولية حماية الأرض و البيوت على أصحابها ..ألم تدفعوا الاف الدنانير لبناء هذه البيوت ؟...ألم تضعوا فيه من الأثاث و السجاد و الثريات و الصور؟ فكيف تتركونها دون حماية ؟ و دون حراسة؟...
- معك حق و الله يا بني....لو أن اصحاب كل دار من هذ ه الدور دفعوا جزءا بسيطا مما يملكون لتكوين سرية قوية للدفاع عن حي القطمون هذا , لما تركوا لليهود مجالا في الاعتداء عليهم كل ليلة ..إن ضعف الاستعداد و خلو الساحة إلا من بعض الشباب القلائل , ترك الباب مفتوحا أمام اليهود للإعتداء علينا , و محاولة احتلال بيوتنا و طردنا منها ... قال ابراهيم: لقد طلب مني القائد العام "عبد القادر الحسيني" أن أعزز حامية حي القطمون هذا ...

  

أحس اليهود المهاجمون بالتغير في حي القطمون ..تغير نوع الدفاع في هذا الحي..بل بدأت الهجمات العكسية عليهم... لماذا ؟ ماذا في الأمر؟
قال أحد جنود العدو.. أخشى يا جماعة ان يكون هذا "المتوحش" قد حضر لنجدة الحي ...كل مرة أشعر فيها بتغير في قوة العرب, أعرف أن قائد ا معينا قد حضر بقواته لنجدتهم انه "المتوحش" ليتني أعرفه...ليتني أقضي عليه...!
جمع القائد " عبد القادر الحسيني القادة ," ابراهيم ابو دية , و بهجت أبو غريبة , و حافظ بركات, و قاسم الريماوي" و قال:
- يا بهجت أنت ترى أهمية سرية حراستك عن القدس القديمة " و باب الساهرة" اي تحرك بسيط لقواتك يعطي المجال لليهود بالتقدم ..فحذار من التحرك من قواعدك . و أما أنت يا ابرهيم فلتبق عينك ساهرة لنجدة اي سرية تطلب ذلك..ذلك لأنني سوف اغادر إلى دمشق لمقابلة المسؤولين في القيادة العامة لحامعة الدول العربية لأطلب بعض المدافع و بعض الأسلحة المتطورة ..


قال بهجت أبو غريبة : ليتك تفعل هذا أيها القائد.. إن المحاربين و المناضلين ينقصهم الكثير من الأسلحة كل يوم تنقص فيه أسلحتنا و تزيد فيه أسلة اليهود و الانجليز و بل إن الإنجليز يعطون اليهود اسلحة حديثة و مدافع و طائرات حربية... أتدري؟ أنهم يهاجمون العرب بصورة مستمرة كأمواج البحر ..موجة تتبعها موجة ..كل موجة تحمل المزيد من قواتهم , طبعا هذا لا يرهبنا و لا يخيفناو لكن استعدادنا يجب ان يكون معادلا ان لم يكن أكثر منهم...
و يرد عليه عبد القادر الحسيني: وعدناك كثيرا يا بهجت..أنت و إخوانك المناضلين...لسوف أسافر اليوم بإذن الله لإحضار السلاح .
سافر عبد القادر إلى دمشق ..و بعد خمسة أيام تقريبا وصل الخبر إلى " ابراهيم أبو ديه"... يا ابرهيم ..يا ابراهيم ...سقطت قرية القسطل في أيدي اليهود !!! ماذا؟ قرية القسطل؟ القرية الحصينة التي تقع في المنطقة الغربية من القدس؟ قرية القسطل الحصن المنيع الذي يقع على الطريق ما بين القدس و تل أبيب؟ احتله اليهود؟....لا...لا...لن يكون ذلك...
تحرك ابراهيم حالا..جمع سريته الضاربة و انطلق الجميع إلى قرية القسطل.
كان قائد مجموعة الحراسة هناك " كامل عريقات" و كان يحارب وهو جريح ...وصل "ابراهيم ابو دية"...اقترب من كامل و قال: ضع يدك حول عنقي ..سأحملك ألى مركز الاسعاف ...و سأتولى أنا القيادة عنك..
و فجأة أحس الأعداء بهجوم العرب العنيف و قد بدأ يأخذ شكلا جديدا ..و بدأت الهمهمات و الهمسات تدور بين رجالهم... لا شك انه "المتوحش" قد أقبل..جاء "المتوحش" أيها الرجال...جاء "المتوحش".. 
في تلك الأثناء و في سوريا كان عبد القادر يقول للقيادة العامة لجامعة الدول العربية: يا جماعة ..نحن لا نريد منكم شيئا الا السلاح..الرجال و الحمد لله متوفرون...نريد فقط سلاح قويا جديدا لا فاسدا..نريد مدافع..
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013و في تلك الأثناء وصل شاب من القدس من عند " ابراهيم أبو دية للقائد عبد القادر الحسيني" يخبره بخبر سقوط القسطل , قال الشاب: أيها القائد احتلوا "القسطل" احتل اليهود قرية " القسطل" .. و رجالك يحاولون استردادها منهم ... و لكن تنقصهم الذخيرة ...لأن اليهود تمركزوا في بيوت القرية فكيف يمكن اخراجهم منها دون مدافع و دون سلاح كثير؟
تأثر القائد لذلك ...ماذا يفعل؟ هو هنا بعيد عن القدس و لم يستطع الحصول على السلاح الذي يريد .. و الأعداء استولوا على قرية القسطل المطلة على القدس...إذن القدس الان مهددة , و رجاله يدافعون بما لديهم من السلاح , و ينتظرون عودته فهل يتركهم ينتظرون؟..
ركب القائد سيارته و اتجه فورا إلى القدس ...و كان معه ستون مجاهدا من سوريا و تطوعوا للدفاع معه عن القدس ...و كان معه القليل من الاسلحة و انطلقوا جميعا دون إبطاء...
و صل القائد في الخامسة صباحا .. و في الساعة السابعة صباحا كان يعقد اجنماعا مع قادته , و يعيد تنظيم القوات... انت يا "ابراهيم أبو دية " مع سريتك في قلب الهجوم و معك المدافع التي عندك... و انت يا "هارون بن الجازي في الميسرة أي من الناحية الغربية للقسطل...و أنت يا "حافظ بركات" في الميمنة أي من الناحية الشرقية .... و أنت عليك ان ترسل رسولا "لبهجت أبو غريبة" تطلب منه النجدة.... وأنت تذهب للرجال في "رام الله و بير زيت و قرى القدس" ليحضر حالا كل من معه بندقية ...يجب أن نسترد القسطل ولو بأيدينا...
أحضر ابراهيم المدافع التي استولى عليها من معركته الأخيرة في طريق مستعمرة "كفار عصيون" و تحرك الجميع مشيا على الأقدام و و بدا الهجوم عنيفا.. بدأ ليلا في الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الاربعاء السابع من نيسان 1948.
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013و انتصروا...انتصر الشباب العرب و أعادوا القرية , و لكن الثمن كان كبيرا...كان كبيرا جدا..مات القائد " عبد القادر الحسيني"..و "جرح ابراهيم أبو ديه" .... و انقلب الفرح و التهليل باستعادة القرية الى حزن عميق كبير...مات القائد ...مات المناضل...مات البطل.
حمل ابراهيم أبو دية رغم جراحه – قائده "عبد القادر الحسيني" و نزل مع الجميع إلى القدس و إلى المسجد الأقصى , نزلوا يودعون القائد...و ياله من وداع..لم يتماثل ابراهيم أبو دية للشفاء..و لم تلتئم جراحه و ظل هو و مجموعته يدفعون هجمات اليهود عن حي القطمون مدة أربع و عشرين ليلة...
و لكن رفاق ابراهيم في جنوب القدس كانوا في ضيق كبير فأرسلوا له رسولا يطلبون منه نجدتهم حالا .. فتحرك ابراهيم مع قسم من مجموعته إلى جنوب القدس قرب مستعمرة يهودية تدعى " رامات راحيل" و نظم القوات الفلسطينية المتواجدة هناك , و قاد هجوما عنيفا على المستعمرة ... و لكن ستة عشر رصاصة كانت له بالمرصاد ..لقد أصيب ابراهيم بظهره و في العمود الفقري بالذات بست عشرة رصاصة انطلقت من مدفع صهيوني غادر ...
وقع ابراهيم على الأرض مغمى عليه , فحمله رفاقه الى المستشفى في مدينة " بيت لحم".... هناك في "صوريف" وقف ابو ابراهيم ينظر للأفق البعيد عله يرى ما ينبىء بوصول ابنه ابراهيم ...فالقرية في حاجته ...و هو في حاجته ايضا ......

لقد هاجم مستعمرون يهود قرى قريبة من صوريف هاجموا قرى "دير ابان و دير الجمال, و نتيف". مستعمرون يهود لم يكن يسمع عنهم ابدا ...رجال يقال لهم عصابات " شتيرن و و الهاجناه" ...جاءوا يحملون الموت له و لأهل قريته , جاءوا يحاولون إخراجهم من بيوتهم و أراضيهم , ليسكنوا فيها بدلا منهم.
حتى الخراف، الخراف التي طالما أحبها ابنه ابراهيم تتعرض لاذاهم و قتلهم ...فمتى سيحضر ابنه لينقذهم من هؤلاء المعتدين؟... دخل الأب المنزل ليخبر زوجته عن نيته للسفر لابنه ابراهيم في القدس ...و لكن شخص جاء ليخبره انه ابنه في المستشفى في "بيت لحم" .
قالت الأم بلهفة و خوف: أنا أذهب إليه , أنا أذهب للمستشفى, و أنت تبقى هنا تدافع عن بيتنا و أرضنا... حملت ام ابراهيم بعض الزاد و الفواكه و سافرت في أحلك ساعات الخطر لزيارة ابنها و الإطمأنان عليه...
استيقظ ابراهيم أبو ديه من اغمائه , فقد رأى نفسه و قد لف بالشاش الأبيض من الصدر و حتى الفخذين ...نظر فإذا الطبيب و الممرضات من حوله ....و اذا بوالدته تجلس قرب سريره و تضع يدها الحنون على رأسه قبل ابراهيم يد والدته و سألها عن أخبار قريته و عن والدته و اخوته و لكنه لاحظ الوجوم و الحزن على وجه والدته .
قال: لا شك ان هناك امرا ما تخفينه عني يا أمي ... قالت الأم: صوريف يا بني في خطر عظيم ... فلقد اقترب الأعداء منها.... أي خطر تقع فيه "صوريف" و أنا هنا في الفراش؟! كيف يكون ذلك؟ نادى ابراهيم على رفاقه في السلاح و قال:صوريف في خطر.............قالوا......... كنا لا نريد البحث معك في هذه المواضيع . فأنت في وضع صحي ضعيف جدا.
قال ابراهيم بكل عنف: و هل مت حتى أتوقف عن العمل في سبيل وطني؟....لا لن يوقفني عن العمل إلا الموت, ثم أضاف قائلا: قل لي أين تقف القوات المصرية التي جاءت لنجدتنا؟...اطلب من قائدها "أحمد عبد العزيز" عله يحضر لنتفق على ترتيب قواتنا .....

ثم اتصل ايضا بقائد القوات السودانية فلقد علمت ان هناك محاربين سودانيين قد حضروا لنجدتنا.... و أهم من هذا و ذاك ارسل لزميلي "بهجت أبو غريبة" في القدس قل له"صوريف" في خطر و نحن بحاجة له و لرجاله....
و فجأة فتح الباب, و دخل منه شخص طويل. أبيض الوجه , محمر الخدود, لفحته الشمس فزادت من احمرار وجه ...مغبر الملابس الملابس و الشعر ...يبدوا أنه قد سار مدة طويلة قبل الوصول الى المستشفى في "بيت لحم"... دخل الرجل الغرفة و أقبل على ابراهيم يسلم عليه بحرارة و شوق.
منقذ القرية طويلة للأطفال ,قصص وطنية النوم للأطفال بالصور 2013قال ابراهيم: من؟ بهجت أبو غريبة؟...من جاء بك؟! كيف حضرت؟! متى وصلت... قال بهجت: سمعت أنك في المستشفى و أن قوات العدو قد تمركزت جميعها حول القرى الجنوبية من القدس, و حيث أن قواتنا في منطقة القدس في هدنة مع قوات العدو , فلا نحاربهم و لا يحاربوننا...و حيث أنني رأيت أن سقوط صوريف بعني سقوط القدس, فلقد جمعت رجالي و حضرت مشيا على الأقدام لنعد العدة للدفاع عن صوريف و قد اببت أن أسلم عليك قبل بدأ الهجوم.
قال ابراهيم:لقد جئت يا بهجت في الوقت المناسب . كنت قد أرسلت في طلبك لنجدتنا ...و اذا بك تحضر وحدك....يا لك من مناضل حق...يا لك من مناضل. التفت ابراهيم إلى رفاقه و قال:جهزوا لي سيارة جيب و لنتقابل جميعا الساعة العاشرة مساء قرب المغارة التي وضعنا بها الأسلحة ..هل تعرفونها؟! نعم....
و في غرفة الطبيب , كان الطبيب يتحدث مع المسؤولين قائلا: لا أدري أي رجل هذا...لقد حول المستشفى إلى قاعدة عسكرية و حول غرفته إلى غرفة عمليات عسكرية . ولا أحد بستطيع الوقوف أمامه .....

و في الساعة التاسعة مساءا كانت سيارة جيب تقف على باب المستشفى و نزل منها عشرة مسلحين. ثم دخلوا المستشفى ووصلوا إلى غرفة ابراهيم ثم حملوه على الكرسي ووضعوا له الوسائد الطرية لتسند ظهره و جوانبه , ثم نزلوا الى السيارة ...الى موقع الهجوم و الطبيب مذهول مما يحدث و مما يرى... قاد ابراهيم المعركة و أعطى الإشارة بالبدء بالهجوم و قبيل الفجر كان الرصاص ينهمر من كل جهة على الأعداء , فساد بينهم الذعر ...وولوا هاربين في الوديان و الجبال تاركين أسلحتهم و عتادهم و هم يصرخون: جاء "المتوحش".....جاء "المتوحش"...
إطمأن ابراهيم على النصر ...و على قريته و أوصى الرفيق بالصمود في قريتهم العربية , ثم أمر جنوده بحمله مرة أخرى مع كرسيه, الى سيارة الجيب عودا الى المستشفى في بيت لحم..
كانت الدماء تنزف مجددا من جراحه ...و الشاش الأبيض تحول إلى أحمر...و حاول الطبيب شفاء جراحه ولكنه يئس من ذلك , فحملوه إلى مدينة "بيروت" عل الأطباء هناك يقومون بعمل أفضل له. و لكن ابراهيم ضل عاجزا عن المشي , لقد أصيب العمود الفقري بشلل نصفي فعجز عن المشي .
قال ابراهيم أيو دية: و ماذا في ذلك؟! أجلس على كرسي ذي عجلات و أتجول كما أريد ....بل و أدعوا للحرب و أدرب المحاربين أيضا.... كنت أحارب دوما واقفا , و لكن الأمور تتغير أحيانا !!!

و بعد أربع سنوات و في عام 1952 ساءت أحوال ابراهيم الصحية ...و نام في المستشفى ...كان حوله ثلاثة من رفاقه المخلصين ...قال لهم ابراهيم: احب أن أسمع نشيد موطني...
أنشد الشباب:
موطني موطني..
الجلال و الجمال و السناء و البهاء
في رباك في رباك
و الحياة و النجاة و الهناء و الرجاء
في هواك في هواك
هل اراك هل أراك
سالما منعما و غانما مكرما
هل أراك في علاك تبلغ السماك
موطني موطني....
و بينما هم ينشدون دخلت امراة مسنة, قدمت له باقة صغيرة من الزهر و قالت: هذه شقائق النعمان : الحنون الذي كنت تحبه و كنت تحب صوريف, و هو من صوريف.... امسك ابراهيم شقائق النعمان....ووضعها على صدره, و أغمض عينيه بهدؤ و سلام...
أعلن نبأ وفاة " ابراهيم أبو دية"في بيروت فمشى في جنازته ما يزيد عن خمسة عشر ألفا من المواطنين تحية له و تقديرا لبطولته.