الأربعاء، 25 يوليو 2012

البحث العلمي في اسرائيل بهدف أن تقود العالم


وفرة الباحثين
المخصصات المالية
النفوذ السياسي
يلمح الدارس للتجربة البحثية الإسرائيلية وضوح عوامل رئيسية وقفت وراء النهضة العلمية والتقدم التقني، من أهمها: الموارد البشرية التي اعتمدت أساساً على موجات الهجرة، ورؤوس الأموال من الخارج، والسياسة العلمية، وارتباط عملية التطور الشامل بصورة وثيقة بالتطور العلمي الذي أدى إلى تطور مجالات الحياة الأخرى.
وقد لعب البحث العلمي دوراً فاعلاً في نجاح النموذج العصري للتجربة الإسرائيلية، ولولاه لما استطاعت إسرائيل في هذه السنين القليلة من عمر الشعوب أن تصل ما وصلت إليه، ولذلك فإن تتبع السيرة العلمية لها، أمر جدير بالدراسة، وفيه كثير من الدروس المستفادة.
وفرة الباحثين
تعتبر أنشطة البحث العلمي التي تجري في إطار المراكز والجامعات الإسرائيلية من أقوى الأنشطة البحثية في العالم، في ظل وجود عدد من الأسباب والعوامل، من أهمها:
اهتمام إسرائيل بمتابعة وقراءة كل ما ينشر ويبث عبر وسائل الإعلام المختلفة، جعلها أكثر قدرة وتأثيراً على القرارات الدولية، وجعلها تحتل المركز الثالث في تكنولوجيا المعلومات، وأن تنتج شهرياً أكثر من أربعين بحثاً معترفا به 
1- كثرة عدد الباحثين والمختصين.
2- وفرة تكوين فرق بحثية متكاملة.
3- انشغال عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس في المجالات البحثية والتجارب العلمية.
4- عدم استحواذ الميزانيات الإدارية على النصيب الأوفر من المخصصات الجامعية.
كما أن اهتمام إسرائيل بمتابعة وقراءة كل ما يتم نشره وبثه عبر وسائل الإعلام المختلفة، جعلها أكثر قدرة وتأثيراً على القرارات الدولية، وتحتل المركز الثالث في تكنولوجيا المعلومات، فيما تنتج شهرياً أكثر من أربعين بحثاً معترفا به دولياً.
فضلاً عن كون إسرائيل تتبوأ المركز الرابع في العالم في نشاط البحث العلمي، وتتقدم عليها فقط سويسرا والسويد والدانمارك من حيث عدد المقالات العلمية لكل مليون مواطن، حيث نشر العلماء الإسرائيليون 6309 بحوث في دوريات علمية أجنبية، ويقارب دورهم في النشاط العلمي العالمي عشرة أضعاف نسبتهم من سكان العالم.
أكثر من ذلك، فقد اعتنت إسرائيل بجملة من العوامل الإيجابية التي من شأنها الارتقاء بمستويات البحث العلمي، ومنها:
1- توسيع هامش الحرية الأكاديمية الكافية للباحثين.
2- التخلي قدر الإمكان عن مظاهر البيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية.
3- محاربة الفساد المالي والإداري في مؤسسات البحث العلمي.
4- الإسراع الدائم في عملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة إليها.
5- إحداث حراك دائم في مراكز البحوث الإسرائيلية، بحيث لا تبقى تحت قيادات قديمة مترهلة، غير مدركة لأبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي، لا سيما في العلوم التكنولوجية.
6- مواصلة التدريب المستمر للباحثين الجدد، وعدم تهميشهم، ومن ثم تهجيرهم.
كما تؤشر المعطيات على أهمية الحرية الأكاديمية والبحث العلمي في إسرائيل، باعتبار أنه كلما اتسعت الحريات العامة، وزادت الممارسات الديمقراطية، وقلت التدخلات الرسمية للدولة في قضايا الجامعات، سيقربها من المشاركة في الشأن العام، مما سينتج عنه بالضرورة سعة أفق البحث العلمي، وزيادة مردوده، وأدائه لمهامه ورسالته.
وقد عرض وزير التربية والتعليم الإسرائيلي الحالي "غدعون ساعار" على مجلس الوزراء خطة تهدف لتعزيز البحث العلمي، من شأنها منع هجرة الأدمغة، وتشجيع علماء إسرائيليين متفوقين في الخارج على العودة لإسرائيل، حيث ستقام أربعة مراكز تفوق في أربعة مجالات علمية، بكلفة 14 مليون دولار لكل مركز.
ورغم أن عدد الأفراد الإسرائيليين المشتغلين بأنشطة البحث العلمي غير معلوم بالدقة المطلوبة، فإن هناك على الأقل عشرات الآلاف من العلماء ممن يضمون بينهم شخصيات علمية متميزة، وكفاءات نادرة في أنشطة العلم والتكنولوجيا، يتوزعون بين قطاعات عديدة كالتعليم، والإنتاج، والخدمات.
ووفقاً لمجالات التخصص فهناك علماء في مجالات العلوم الطبيعية، والطبية، والهندسية والتكنولوجية، والزراعية، والاجتماعية.
كما باتت المؤسسات العلمية البحثية في إسرائيل تشكل نقطة لاستقطاب العلماء، لتسد الفجوات التكنولوجية فيها، وتختص معاهدها البحثية بالمجالات المتقدمة، وعلوم الصدارة التي أصبحت ضرورة لتحقيق النهضة التكنولوجية، وتطويع التطورات العلمية في خدمة الإنتاج والخدمات.
سافر من إسرائيل وحضر إليها نحو ألف باحث خلال خمس سنوات، كما يعقد كل سنة 10-15 ندوة مشتركة، مع وجود نحو خمسين برنامجا بحثيا مشتركا بين علماء إسرائيليين وآخرين من الخارج
خاصة وأن هذه المراكز البحثية تضم معاهد لبحوث الهندسة الوراثية، والتكنولوجيا الحيوية، والبحوث المعلوماتية المهتمة بتكنولوجيا المعلومات، واستخداماتها في كافة المجالات الصناعية والإنتاجية والخدمية، وبحوث المواد المتقدمة، بعد أن أصبحت المواد وخواصها الفائقة بمثابة منفذ ضروري للعبور إلى صناعات إستراتيجية وتقليدية تعتمد أساساً على توفير هذه المواد.
وتعمل المؤسسات الإسرائيلية على رفع القدرات البحثية للعلماء الشباب، والاستفادة منهم في المهجر، والربط التطبيقي بين البحوث العلمية واحتياجات السوق في قطاعي الإنتاج والخدمات، وإشراك القطاع الخاص فيها ضماناً لتوجهها للاحتياجات الفعلية، والعمل على التنبؤ التكنولوجي باحتياجات الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية لضمان القدرة على المنافسة فيها، لعلها تسهم في صنع نهضة تكنولوجية تساير منجزات العلم، وتخدم المجتمع.
وقد اهتمت إسرائيل اهتماماً خاصاً في استقطاب العلماء والباحثين والأساتذة والمتخصصين، للمساهمة بتطوير البحوث والدراسات من جهة, ولتأسيس جيل إسرائيلي علمي من جهة أخرى. ولتحقيق ذلك توجه قادتها بدعوة كل العلماء اليهود بأن يهرعوا لإسرائيل ليضيفوا علمهم إلى عوامل أمنها وبقائها.
وفي إطار الاتفاقات الموقعة مع الخارج، سافر من إسرائيل وحضر إليها نحو ألف باحث خلال خمس سنوات، كما يعقد كل سنة 10-15 ندوة مشتركة، مع وجود نحو خمسين برنامجا بحثيا مشتركا بين علماء إسرائيليين وآخرين من الخارج.
المخصصات المالية
يعود بروز الجامعات الإسرائيلية في البحث العلمي إلى تخصيص ميزانية مستقلة ومشجعة للبحوث العلمية، كما أن الحصول على منحة بحثية لا يستغرق إجراءات طويلة ومعقدة مع الجهات المانحة، فضلاً عن كونها لا تركز فقط على عملية التدريس، بل تمنح قسطاً وافراً من تركيزها على البحوث العلمية لأسباب عدة، وهي ترصد الميزانيات الضخمة للبحوث العلمية لمعرفتها بالعوائد الضخمة التي تغطي أضعاف ما أنفقته.
كما أن مخصصات البحث العلمي في إسرائيل تزداد عاماً بعد آخر، وتتضاعف كل ثلاث سنوات، وتتجاوز نسبتها في بعض السنوات 4٪ من إجمالي الناتج القومي، والمتأمل لتاريخ حركة البحث العلمي في إسرائيل وروافدها، يظهر له الدور الحيوي الذي لعبه التمويل الخارجي لأنشطة البحث العلمي في المراحل الأولى من تأسيس هذه الدولة.
وقد جاءت إسرائيل في المركز الخامس عالمياً من حيث الإنفاق على التعليم بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي بإنفاق يبلغ 8.3% على التعليم من ناتجها المحلي، وإذا علمنا أن الناتج المحلي الإجمالي لها يصل 110 مليارات دولار، فإن نصيب البحث العلمي يصل في بعض الأحيان 5.3 مليارات دولار!
إسرائيل تنفق ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي والتطوير، وهي أعلى دولة في العالم من حيث نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي
كما يساهم القطاع الخاص بنسبة 74% من الموارد المخصصة للبحث العلمي، مما يؤشر على دوره ووظيفة إنتاجيته، وعائده التراكمي المجزي، بحيث يجري اقتطاع النسبة، لأن تلك البحوث ساهمت بتحسين الإنتاج وتعظيمه، وهذا الإنفاق دلالة على الدور الاجتماعي لها، وارتباط البحث العلمي بالإنتاج.
وقد احتلت إسرائيل المرتبة الأولى عالمياً من حيث نصيب الفرد من الإنفاق على البحث العلمي، وجاءت بعدها الولايات المتحدة، ثم اليابان، حيث تنفق 1272,8 دولارا سنوياً للفرد، متساوية في الصرف على البحث العلمي مع اليابان والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، متقدمة على إسبانيا وتركيا.
وفي مصادر أخرى، فإن إسرائيل تنفق على البحث العلمي ما يساوي 1% مما ينفق في العالم أجمع، وتنفق ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي والتطوير، وهي أعلى دولة في العالم من حيث نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي.
النفوذ السياسي
تعتبر دور الفكر والرأي والبحث العلمي مؤثرة في صياغة السياسة الإسرائيلية، من حيث إعادة صوغ المفاهيم التقليدية، وصنع مسار جديد للقضايا الإستراتيجية الأساسية. ويشير إلى ذلك أن هذه المؤسسات بمثابة مراكز أبحاث سياسة مستقلة، تشكل ظاهرة إسرائيلية مميزة بصياغة التعاطي مع السياسة العالمية.
ولكونها تقوم بمعظم مهامها بمعزل عن أضواء وسائل الإعلام، فإن ذلك لا يجعلها تحظى باهتمام أقل عما تحظى به المنابع الأخرى للسياسة، كتنافس مجموعات المصالح، ومناورات الأحزاب السياسية، وفروع الحكومة المختلفة، ورغم هذا الابتعاد النسبي عن الأضواء فإن هذه المؤسسات تؤثر على صانعي السياسة بعدة طرق مختلفة.
وهنا ترى إسرائيل أن هذه المراكز البحثية يجب أن تكون مؤسسات مستقلة بهدف إجراء الأبحاث، وإنتاج معارف مستقلة متصلة بالسياسة، تسد فراغاً في غاية الأهمية بين العالم الأكاديمي من جهة، وبين عالم الحكم من جهة ثانية، لأن دافع الأبحاث في الجامعات يكون في أحيان كثيرة تلك النقاشات النظرية المنهجية والغامضة التي تمت بصلة بعيدة للمعضلات السياسية الحقيقية.
أما في الحكومات، فيجد الرسميون الإسرائيليون أنفسهم غارقين في مطالب صنع السياسة اليومية الملموسة، وفي الوقت ذاته عاجزين عن إعادة النظر في المسار الأوسع للسياسة، بسبب كثرة مشاغلهم في الشؤون اليومية، من هنا كانت أولى مساهمات مؤسسات الفكر والرأي والبحث العلمي المساعدة على سد الفجوة بين عالمي الفكر والعمل.
ولذلك يوجد في إسرائيل عشرات المراكز البحثية والمؤسسات العلمية، موزعة على كامل الساحة السياسية الإسرائيلية، تشكل مجموعة غير متجانسة من حيث اتساع نطاق المواضيع والتمويل والتفويض والموقع، فبعضها يركز على مجالات وظيفية محددة، أو مناطق معينة، في حين تغطي مؤسسات أخرى السياسة الخارجية بصورة عامة، مما جعلها تظهر كلاعب ظاهر، وفي العديد من الحالات كلاعب هام في مجتمع صانعي السياسة.
تعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في إسرائيل في رسم وتخطيط سياستهم، واتخاذ قراراتهم
مع العلم أن انتشار هذه المؤسسات البحثية بأعداد كبيرة يشير إلى ثقافة ومجتمع وسياسات إسرائيل، أكثر مما يدل على مدى تأثير هذه المجموعة المنوعة في بيئة صنع السياسة والقرارات المحددة، ومما لا شك فيه أنها قادرة على المساهمة، وقد قدمت مساهمات قيمة في سياستها الخارجية والداخلية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد مراكز البحوث السياسية والإستراتيجية العامة والخاصة في إسرائيل، لتفوق ثلاثين مركزاً، جزء أساسي منها أفرد نشاطه البحثي لخدمة المؤسسة العسكرية من دراسات وتقديرات موقف إستراتيجية وعسكرية. لذلك كان معظم الباحثين الإستراتيجيين العاملين فيه من خريجي المؤسسة العسكرية، ومن ضباط الاحتياط.
أخيراً.. تعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في إسرائيل في رسم وتخطيط سياستهم، واتخاذ قراراتهم، انطلاقاً من قناعتهم بأن دراسة القضايا والمعضلات السياسية هي المحور الأول في رسم وبناء الإستراتيجيات في كافة المجالات، لما تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات.

ملحوظة:هذا البحث قائم على الأدلة المتحقق منها وليس بتحليل جزافي.