الخميس، 14 فبراير 2013

تحقيق السعادة



  

   محطات حياتك تنقلك من مرحلة إلى أخرى ربما مفيدة فورياً وربما تفيدك لاحقاً، الإزدحام يزداد من حولك وسرعة الوقت متوقفة على فن ترشيدك لإستغلاله لكي تنام في نهاية يومك وأنت مطمئن أن لا يوجد مخزون عليك من الأعمال المؤجلة والتي لم تنجزها في وقتها.. وهذا ما يؤدي بك إلى الشعور برتابة حياتك لأنك لم تجبر نفسك على الإنضباط سعياً إلى الراحة؛ ولكن إن نظرت نظرة شاملة إلى حياتك ستعرف أن جميع الناس يرتاحون راحة أبدية عند موتهم منتظرين حساب الخالق الذي لن يبعث الأموات إلينا لكي يخبرونا طبيعة الموت ويوصفوه لنا بعد أن قاموا بتجربته! فإن تركت العنان لخيالك كإنسان عاقل مؤكد أنك ستفكر بأن الأموات ينظرون إلينا نظرة إمتهان لإننا لا نستنفذ حياتنا بالشكل الأمثل ويقولون:"يا ليت هؤلاء الأحياء البلهاء يستخرجوا ما بهم من كنوز خلقها الله-عزوجل- داخلهم قبل أن تأتيهم لحظة فراق الحياة وتدفن معهم كل كنوزهم التي سيندمون على لامبالتهم لأهميتها وتحقيقها وتنفيذ أماني حياتهم على أرض الواقع؛ والتي هي الوحيدة الشاهدة عليهم يوم الحساب".

   كثير منا يشكو من سوء حياته وعدم فهمه للناس ومقته لنفسه وحرمانه من مايحتاجه ويدعي أنه غير سعيد.. القاعدة الأساسية أنك (إن أردت أن تكون سعيداً لابد لك أن تكون منتصراً) ولكن منتصر على من؟ ومنتصر بماذا؟ وكيف تكون منتصراً؟ وهل هناك حرب لكي أكون منتصر فيها؟ أولاً:يجب أن تعرف من هم أعداءك لكي تنتصر عليهم، مبدأياً لا يوجد أي إنسان عدو لك إلا من يعادي الله-عزوجل- وهم من قال ربك عنهم شياطين الإنس سواء إن كانوا من الملحدين أو المشركين أو المنافقين أو المفسدين في الأرض وعُباد الشيطان وهوى النفس وهؤلاء تتم محاربتهم ليس بالندية معهم أو العراك أو رد الأذى بالأذى لأنك إن فعلت معهم مثل ما يفعلوه معك تكون مثلهم ووتكون قد إنضممت إلى فريق الشر دون أن تدري، ولكن محاربتهم الفعلية هي أن ترجح أمامهم كفة الخير الذي تدافع عنه في ميزان الأرض بدلاً أن تذكرهم كثيراً وتجعل لهم شهرة وهالة مضيئة بإهتمامك بهم، وأعداءك الآخرين هم قرينك الشيطاني ونفسك الأمارة بالسوء.. فلكل إنسان يولد من بني آدم قرين من الشيطان يسلطه عليه إبليس اللعين فور ولادته ولذلك أول لحظة واعية يشهدها حديث الولادة تبدأ بصرخة فزع بسبب نغز الشيطان له في رأسه، شيطانك لا يفرق بين الطفل والناضج إلا بزيادة الوساوس فحيل إبليس الذي يوصي بها أتباعه من الشياطين لا تترك تبدأ من أصغر الذنوب لتوصلك بالتدريج إلى أبشع الكبائر، فإبليس لا يستهين به إلا الأغبياء لأنه أقسم بعزة وجلالة الله أن يغوي بني البشر أجمعين إلا من رحم ربي من المتقين أقوياء العزيمة؛ فهو يريد الإنتقام من كل الناس يريد لك الجحيم الأبدي في الآخرة والتعاسة المشؤومة في الدنيا يريد أن ينشر بين البشر الكراهية والبغضاء والحقد والحسد والطمع والفساد والرزيلة والنزاع والشك والقتل والنميمة والفتنة والعنف والسرقة والحرابة وكل شئ يريد أن يثبت به أن هؤلاء البشر الذين يحبهم الله ويفضلهم على سائر المخلوقات لا يستحقون كل ما يملكون من نعم وما أعده الله-عزوجل- من نعيم في الجنة التي طرد منها إبليس؛ وأن من البشر كثير من العاصيين الذين يستحقون الطرد من رحمة الله-عزوجل- والعذاب الأبدي مثل الشيطان.. الشئ الذي يجعلك تبكي إن إستوعبته كيف للشيطان أن يتفوق في جعلك لاترضى بالله-عزوجل- والله يرضى بك!! كيف لك تعصى أوامره وهو لا يرد لك أي طلب في الخير؟ كيف لك تختصم الناس بسبب إستجابتك للشيطان بدلاً من تحالفك مع الناس ضد الشيطان الذي إن إستعذت بالله منه يُحرق بأمر خالقك !! كيف يكون من البشر ليس من هو يعادي ربه فقط بل لا يعترف بوجوده ويعاديه ويعبد الشيطان!! كيف يوجد أناس يفعلون خطايا تهز عرش الرحمن ويعطيهم الله-عزوجل- فرصة التوبة فيتحدوه ويرفضوا أن يسامحهم ويغفر لهم!! كيف يوجد ناس يرفضون الصلاة لخالقهم ويتوسلون لعباد مثلهم بالرشوة والواسطة أن ينجزوا لهم مطالبهم وينصرفون عن الله-عزوجل- بل ويعترضون على إبتلاء الله-عزوجل- لهم لكي يكفر ذنوبهم ويمتحن إرادتهم!! كل هذا يفسر تفوق الشيطان في أن يجعلنا مغيبين ويقودنا إلى ظلمة التعاسة.

أما عدوك الخفي الذي لا يظهر إلا عندما تسأل نفسك السؤال الشهير بين عقولنا جميعاً: لماذا فعلت هذا؟ ويكون هذا السؤال نابع من ضميرك الذي غفل عن تنبيهك قبل أن تسيطر عليك نفسك، النفس هي أهم أداة للشيطان لأنها هي أول من يقدم لك المبررات للخطأ وهي من تشعل النار الضغينة لمعاداة الناس وتجعلك تأبى السماح بمبرر العزة، وهي من تعشمك بمسامحة الله-عزوجل- لك إن رغبت في معصية، وهي من تجعلك تشك في نفسك وتقارن بينك وبين الناس وتشعر أن الله-عزوجل- لا يحبك لأنه رزق الأخرين بنعم لم يرزقك بها وتنسى أن من تقارن نفسك بهم من المؤكد أنهم محرومين من النعم الموهوبة لك وأنت لا تحمد ربك عليها، وهي من تحفز شهواتك حتى تصيب عقلك بالركود وعدم إدراك المهالك التي ستقع فيها.. فكثيراً منا يرهق ويظلم ذاته بذنوب تجعله يفقد السيطرة على شر نفسه.

ثانياً: يجب أن تجد السبيل الذي يجعلك منتصر في حياتك، يجب أن تجعل من عقلك منبه فوري يوجه إليك خطاب سري نحو إخماد كل شعلة فشل تهاجم سعادتك.. وأن تتأكد أن إبليس نفسه في تعاسة غامرة بسبب عصيانه لرب العالمين وأنت كذلك إن خسرت نفسك ولم تستطيع إذلالها في رغبات الخير بقلبك ستتركها تكون عصا التحكم لشيطانك، فيجب أن يكون السبب الحقيقي لتحقيق ذاتك هو الوصول لله-عزوجل- وبذلك ستكون من فريق الخير، لاتجعل أي مساوء في يومك تقودك إلى الضيق ولا تجعل أي مشكلة توقف تفكيرك عن إيجاد حل لها.. إستمتع بيومك وإبدأه مع شروق الشمس إجعل لنفسك أسباب للإستيقاذ مبكراً وإجعل لنفسك دور يعتمد عليك فيه الآخرون سواء أسرتك أو زملائك أو أصدقائك لكي تشعر أنك مهم بالنسبة للآخرين، إبعد اليأس عنك لأنه يحول جميع قدراتك التي تؤهلك للنجاح إلى آفات تنقل إليك وباء الفشل، حاول أن تكون مصدر تفاؤل وإبتهاج لمن حولك فمن طبيعة الناس أنهم يقتربوا من أصحاب الطاقة الإيجابية وينصرفون عن أصحاب الطاقة السلبية، إختار لنفسك أجمل إبتسامة تراها في مرآتك وإستخدمها أثناء حديثك مع الناس، كُن صريحاً وصادقاً لأنك إن كنت تخشى ربك فقط فيجب أن تثبت أنك ليس عبداً عند الناس مجبر أن تختبئ تحت أكاذيب وإدعائات في كلامك وفي حياتك وفي تصرفاتك وفي هيئتك، إقتنع بأن شكلك إن كان جميل أو قبيح فهو ليس من صنعك لكي يقيمك به الناس وأنك لا تريد تغييره ولا تحتاج أن تقارن به شكل غيرك لأنه أساس من هويتك وكل شئ فيه رائع لأنه ملكك وليس لأنه حلو المظهر؛ لأن كل الناس بلون واحد من الداخل وأن شكلك إن كان سبب في إرهاق تفكيرك سيكون طعام لديدان الأرض في قبرك مثل كل الناس ولكنه إختبار حقيقي لرضاءك بخلق الله-عزوجل- ،لاتجعل للشك مجال أن يتسرب إلى حقائقك الثابتة وإلا تحولت إلى وباء من التوجس والتخوين لكل الناس حتى نفسك،إمنع الخرافات والهواجس من أن تتسرب إلى تفكيرك لكي يصبح علمك وإطلاعك عوناً لك، إجعل عقلك هو المستشار الأعلى في حياتك لأنه أعظم كنز أوجده ربك فيك وميزك به،لاتحصر في المال والمادة مصدر إبتهاجك لأن النقود ومصادرها تأتي من أجل أن تزول، عامل الناس بأفضل ما يعاملوك به دون أن تنتظر مقابل منهم لكي تشعر أنك تفعل ما لايستطيع غيرك أن يفعله لأنك تحتاج أن تكسب خير ذاتك قبل أن تكسب خير من حولك،متع روحك بالعبادة وإجبر نفسك على الإمتثال لأوامر ربك مهما حاصرك الشيطان لأنك في حاجة إلى الإنتماء له والتذلل في ورعك له حتى لا تتحول إلى ذليل لغير الله-عزوجل-، نفذ العديد من الهوايات لكي توظف كل هبة وضعها الله-عزوجل- فيك وتشعر بتجدد أنفاسك مع إكتشافك المتجدد لحياتك، يجب أن تضع خطط وتجبر نفسك على تنفيذها لكي تنفي أي عيب في شخصيتك أو ذنب تداوم عليه حتى تقل نقاط ضعفك، عليك أن تتحدى خصومك من الناس بإستقامتك حتى لا تكون لديهم ذلة ينتقدونك منها أو يقهرونك بها، لاتجعل من طعامك وسيلة إفتراس تشبع جوعك بل إجعل لك تنبيه نحو ما هو صحي حتى تصحبك سلامة البدن والضروري لمرونة بدنك ممارسة الرياضة حتى وإن كانت بين كل حين وآخر ودون الإلتزام بمكان محدد لأن الرياضة تعمل كالشاحن قبل أن تفرغ بطارية جسدك، إجعل سنك مجرد رقم لم ولن يكون عقبة بالنسبة لتقدمك لأن الناس إن إستهانوا بك لصغر سنك فهم أغبياء لا يقدرون روعة طاقاتك وإن أعجزوك بكبر سنك فهم لا يفهمون أن الله-عزوجل- يطيل من حياتك لأن دورك في الدنيا لم ينتهي بعد، إجعل من كل أعمالك هوايات لك لأنك إن أردت أن تكون مميزاً يجب أن تبحث في ما لم يحققه الآخرين وأن تكون لك لمستك الفنية لكي تعرف قيمة قدراتك وليس لسناء الناس عليك، لاتحاول أن تبدل أصلك أو تربيتك أو أهلك لأن أساسياتك لا تتماشى مع سير الدنيا وأن الفساد هو الأعم بل يجب أن تتأكد أنك غالي لأنك تملك أشياء نادرة لايملكها الفاسدين من حولك وأن الله-عزوجل- وضع في يدك سلاح الخير لكي تستخدمه، لا تحاسب والديك أوظروف تربيتك أو نشأتك الإجتماعية والمادية أو طفولتك لأن الإنسان كلما كانت بدايته شاقة كلما كانت جزور حياته قوية وأهلك لم يولدوا في عصرك الحالي لأنهم إن كانوا يعرفون مجالات أكثر لكانوا قدموا لك وسائل تربية وممتلكات أكثر، لا تأنب نفسك على الماضي لأن الماضي هو السبب كل خير تحقق لك أو سوف يتحقق لك في المستقبل بل إنهي كل تجربة لك بدروس مستفادة تزيد من قوة عقلك وتحسن تصرفك وتمدك بالخبرات؛ فكثيراً من الناس عاشوا أعمار مديدة ولم يتعلموا مغذى مفيد من حياتهم، قم بتفنيط الناس من حولك ولا تتمادى في تعاملاتك مع أي فرد يمكن أن يسحبك إلى طريق تندم عليه أو يؤثر عليك بالشر والأذى، إجعل من نفسك فنان في كل عمل روتيني لك وقم بتجديد حياتك مع غير، لا تجعل الحقد يثيرك نحو نجاحات الناس لأنك إن تخيلت أن الله-عزوجل- يمكن أن يمنع كرمه عن إنسان مجتهد فإنك ساذج بل يجب أن يكون لك دور إيجابي تشارك به كل نجاح وتحول فشل غيرك إل قوة مستعادة أنت السبب فيها، سامح غير حتى تنسى إساءته لك وتريح نفسك من شحنة القهر بداخلك مع حذرك من عازفين الكوارث حتى لايستمتعوا بأذاك مراراً وتكراراً، عامل غير بالمعاملة التي يعاملك بها ربك ولا تجعل أي سبيل من سبل القوة التي منحك الله-عزوجل- إياها سيف على رقاب المستضعفين حتى لا ترهق نفسك بعذاب الضمير، لاتحاسب الناس لكي تظهر حسناتك عليهم لأنك يستحيل أن تكون خالي من الذنوب وبالتالي ليس من حقك أن تضع نفسك مكان ربك وتقيم الناس، لا تخشى من الموت لأنك لن تستطيع أن تهرب منه إن حان وقته ولن يستطيع أخذ روحك غير ربك ولذلك إجعل لنفسك قيمة سامية يمكن أن تلقى المنية فداء تحقيقها.

حياتك سببها نفخة من روح الرحمن ولذلك هي غالية عليه كما يجب أن تكون غالية عليك أيضاً.. فيجب أن تعيش سعيد وتحقق سعادتك برفعك راية الخير في حربك مع الشيطان لأن الله-عزوجل- لن يرحمه من أجله، وسيرحمك أنت منه ومن شره إن كنت تقي وقوي وسعيد بنعمة الحياة فحذاري أن تبحث عن طريق للسعادة وأنت تسير فيه ولكنك تُميت إحساسك بالمعجزات التي خلقها الرحمن فيك فهو خلق كل الكون من أجلك وخلقك أنت من أجله لأنه يريدك خليفة له فليس من المعقول أن تتمرد على خالقك وتكون عدو له وتشتكي من التعاسة وأنت تقتل بيدك كل مسببات السعادة ولا تسعى للإرتقاء بحياتك.