الأربعاء، 26 يونيو 2013

مناظرة بين حركة "تمرد " و"تجرد"

بقلم الدكتور:كمال الهلباوي

أشرت في المقال السابق الى قضيتين أو مشكلتين من مئات القضايا العالقة في مصر هما: تصويت العسكريين وسد النهضة. واليوم أحاول أن أبسط القضية الثالثة المهمة، وهي قضية حركة ‘تمرد’، كما وعدت في الأسبوع الماضي. اتضحت لنا اليوم بعض الأبعاد الكارثية لسد النهضة الإثيوبي بعد التطمينات الأولية السريعة التي أدلى بها بعض المسؤولين حتى في مؤسسة الرئاسة، من أن المياه التي ترد الى مصر حسب الاتفاقيات السابقة لن تتأثر ولا الكهرباء، وإن تأثرت فستكون الآثار قليلة وغير ضارة.

اليوم يتحدث الجميع بمن فيهم وزير الري، عن آثار سد النهضة الضارة على مصر والسودان وتأثيرها الضار على ‘المية والنور’، أي المياه والكهرباء. بعضهم مثل الدكتور علام وزير الري الاسبق في مصر، يؤكد أن سد النهضة أصبح هو الخطر الرئيسي اليوم الذي يواجه مصر، لأن تخزين 200 مليار مترمكعب من الماء داخل خزان السد العالي المبني داخل منطقة بركانية يهدد بكوارث طبيعية واضطرابات في القشرة الارضية. ويرى د. نصرعلام كذلك أن انهيار السد، كما هو أمر متوقع، كفيل بإغراق السودان وتدمير السد العالي. ولو قامت إثيوبيا بملء السد في عام واحد لن تصل مصر نقطة مياه واحدة. ومن هنا الخطورة، حياة أو موت، بسبب سد النهضة، الذي أثبت بعض المختصين أنه أخطر من القنابل النووية على حياة أهل السودان ومصر. ولربما كان السابقون أوعى منا بهذا الخطر، ومن ثم كانت الاتفاقيات التي تنظم استحقاقات بلدان النيل من المياه، قائمة ومرعية، ولم تفكر إثيوبيا في انتهاكها بهذه الصورة من قبل. 

في مصر كلها يحشد أنصار حركة تمرد، كل الجهود والأموال الممكنة وجمع التوقيعات، خصوصا عن طريق بعض حفلات التوقيع الجماعي، لكي تنجح أهداف الحركة في مليونيات 30 يونيو، موعد مرور سنة على حكم الدكتور مرسي. بعض حفلات التوقيع الجماعي تجمع الفلاحين والعمال وبعض النقابات، وحتى النساء.
أهم ما في هذه الحملة، هو المشاركة المجتمعية الواسعة، التي توقع على الاستمارات لسحب الثقة من الرئيس المنتخب، لأنه لم يف بوعوده الانتخابية، كما تسعى الحركة الى فرض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة..
وفي ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا، مؤخرا بشأن إبطال قانون انتخابات مجلس الشورى، بعد ان سبق حل مجلس الشعب، تصبح المؤسسات كلها، وكما هو في ظل أزمة القضاة، تصبح، في مهب الريح السياسية العاصف في مصر. الداعمون لحركة ‘تمرد’ يئسوا من الاصلاح او تحقيق أهداف الثورة، ويرون أن حركتهم تجديد للثورة وروح الثورة.
أما حركة ‘تجرد’ – رد الفعل الاسلامي على حركة ‘تمرد’- فتسعى الى حشد أصحاب التيار الاسلامي، لمواجهة وإفشال مساعي حركة ‘تمرد’، حتى لو بإعداد دروع بشرية لحماية الاتحادية، فضلا عن البوابات الجديدة للقصر، التي يظن البعض انها مكهربة. ليتأمل القارئ مصر بين ‘تمرد’ و’تجرد’، لك الله يا مصر.

لايزال البعض في مصر مشغولا بالبعض الآخر وليس هناك بناء للمستقبل. آثار سد النهضة وآثار حركة ‘تمرد’ يمكن أن تكون كارثية، نسأل الله تعالى النجاة لمصر، بعد أن تكالبت عليها وتكاتفت التحديات الخارجية مع التحديات الداخلية، مع سوء أداء الرئاسة والمؤسسات الأخرى، بعد ثورة يناير العظيمة صاحبة الأمل في الإصلاح والتصحيح. رصيد الرئاسة في هبوط بسبب الصراع في المجتمع، ورصيد حركة ‘تمرد’ في صعود يوما بعد يوم، حتى إن حديث محمود بدر منسق حركة ‘تمرد’، في حفل افتتاح المؤتمر القومي العربي بالقاهرة في الاسبوع الماضي أثار زوبعة وحماس بعض الاسلاميين الذين خرجوا من الجلسة، اعتراضا على السماح لممثل هذه الحركة (حركة تمرد) بالحديث في هذا المؤتمر، الذي انهى أعماله مساء يوم الأحد الماضي 2 حزيران/يونيو 2013، وبهذه المناسبة – مناسبة انعقاد المؤتمر القومي العربي بالقاهرة، كم كنا فخورين، بأن تستقبل مصر هذا المؤتمر بعد الثورة، مع الترحيب بهم وعدم منعهم من الدخول، خصوصا أن الشرفاء والشجعان من أمثال عبد الباري عطوان وليث شبيلات وغيرهما كثير، كانوا يتوقون لرؤية مصر وهي تقود الأمة العربية مرة أخرى، وأن تنخلع من محور الشر المهيمن، أقصد الأمريكي الصهيوني، وهو ما لم يكن يحدث أيام مبارك، خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث كان مبارك كنزا استراتيجيا لاسرائيل نأمل ألا يتكرر.

وبهذه المناسبة كذلك، مر انعقاد المؤتمر بسلام، وعبرّ كثير من المشتركين في المؤتمر، من كل البلاد العربية عن فرحتهم بعودتهم الى القاهرة وعودة القاهرة إلى الصف والحضن العربي، وهم يجتمعون على بعد أمتار من ميدان التحرير العظيم. وجاء البيان الختامي للمؤتمر، مؤكدا دعم القضايا الكبيرة والمقاومة في فلسطين ولبنان، والدعوة الى إنجاز المصالحة الفلسطينية، وتوحيد الصف العربي، ورفض حكم الاستبداد، ومحذرا من مخطط الشرق الأوسط الكبير، واستمرار بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية، التي لم تسقط مع سقوط الحكام في بلدان الربيع العربي. كما أكد المؤتمر على رفضه كافة الحلول الاستسلامية والتفريط في الحقوق العربية، وضرورة سحب المبادرة العربية للسلام، ورفض قبول مبدأ تبادل الأراضي، وقرار لجنة السلام العربية التي قبلت ذلك المبدأ. ودعم المقاومة لاستعادة تلك الحقوق. كما طالب المؤتمر كافة الأطراف السورية بقبول نتائج مؤتمر جنيف (2) للخروج من الأزمة، وحل الأزمة سلميا وحق الشعب السوري في إقامة نظام سياسي ديمقراطي، مع رفض الحل العسكري والتدخل الأجنبي، كما أكد المؤتمر ضرورة دعوة الجامعة العربية لدعم التوافق بين أبناء الشعب السوري والعدول عن موقفها السابق من الأزمة للحفاظ على شرعية الدولة، بما يعنى كيان الدولة مهما كان النظام الحاكم، كما فهمت ذلك. جاء هذا البيان الختامي للمؤتمر توافقا، وكانت أكثر القضايا حساسية هي القضية السورية، كما أكد المؤتمر على الاحتفاظ بالقضية المركزية فلسطين وبأهميتها ومركزيتها بين قضايا الأمة. 

يرى بعض المحللين والاعلاميين أن شباب الثورة الذي ابتكر وسائل جديدة للثورة ضد الظلم والفساد والديكتاتورية والتوريث، هم الذين دعوا اليوم الى حركة ‘تمرد’ ومحاصرة قصر الاتحادية في مصر. بعض كبار المعارضين للنظام حتى من جبهة الانقاذ، يسيرون في ركاب وبركة حركة ‘تمرد’، ويرون أنها الأمل في التغيير المنشود، وأنها دليل على استمرارية الثورة. خسرت السلطة الحاكمة دعم عدد كبير من الشخصيات التي أيدت مرسي لاسقاط شفيق، ومنهم – على سبيل المثال لا الحصر – الشيخ مظهر شاهين الذي يؤيد حركة ‘تمرد’ لما تعرض له من ظلم ومحاولة نقله من مكان عمله، نتيجة انتقاد الأوضاع السيئة. يرى الشيخ مظهر ان تأييده لحركة ‘تمرد’ إنما هو تمرد ضد الظلم، وضد ضياع هيبة الدولة، وضياع مياه النيل، وضد ضياع الثورة المصرية من أبنائها وأولادها الذين يحاكم بعضهم اليوم بتهم، كان يمكن السكوت عنها، نتيجة مشاركتهم ودعمهم، بل والدعوة الى الثورة ضد مبارك والتوريث، في وقت كانت هناك حركات وأحزاب لا تستطع ان تفعل شيئا من ذلك. 

من هؤلاء الشباب على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الشاب الثائر أحمد دومة الذي قضت عليه المحكمة في الاسبوع الماضي أيضا بستة أشهر سجن وخمسة آلاف جنيه مصري، لا يمتلك منها الشاعر الثائر مليما واحدا هو وأسرته (زوجته)، ولم يهنأ بالزواج بعد إلا أياما قليلة. أما المتهمون في قضية التمويل الأجنبي الذين يقبضون بالدولارات فكانت العقوبة، السجن والغرامة ألف جنيه مصري لكل منهم، في نفس الأسبوع أيضا، وكان معظمهم ببركة وضغط الأمريكان قد هرّبوا من مصر. ولذلك يقول الشاعر الكبير الأبنودي :’الضحكة هازة الحكومة، إوعى تسايسهم، وسجّانينك يادومة بكرة حتحبسهم’. هكذا الصراع، لا يستطيع أن يعيش الوطن في راحة، ولابد من السجن لمن ليس في السلطة. أين العقل والحكمة والتعايش؟

بعضهم ممن يدعمون ‘تمرد’، خصوصا من الفنانين يرون أن ‘تمرد’ إنما هي حركة ضد حكم الاخوان أعداء الوطن، وهو جنوح في الحكم على الاخوان كأعداء للوطن، لسوء أداء الاخوان طوال سنة كاملة في السلطة، وضياع الانصاف، والكراهية التي انقلبت الى حقد عند الجميع، مما يهدد بضياع آثار 85 سنة في الدعوة الاسلامية، ولو قليلا.
وبعضهم يرى أن الدعوة الى دعم ‘تمرد’ هي دعوة للتمردعلى الفقر والجوع وسقوط بعض الشهداء الجدد، وضد تبرئة جميع المتهمين بقتل الشهداء وجرح الالاف في الثورة وقبلها وبعدها. ولعلنا نكتب في الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى، عن قضية التمويل الأجنبي في مصر، في ضوء الأحكام القضائية التي صدرت في حق المتهمين، إن لم يظهر من التحديات ما يغطي على تلك القضية. 


بعد أن أعلنت حملة "تمرّد" الهادفة إلى سحب الثقة من الرئيس المصري محمد مرسي، عن وصولها إلى جمع مليوني و29 ألفاً و500 توقيع، خلال العشرة أيام الماضية، أي منذ بدء الحملة، اتسعت لتشمل المزيد من المعارضين، إذ أعلن حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي، والدكتور محمد أبوالغار رئيس حزب المصري الديمقراطي، تأييدهما للحملة. وفي المقابل ردّ الإسلاميون الذين شعروا بالخطر من تأثيرها بإطلاق حملة مضادة بعنوان "تجرُّد" لدعم بقاء مرسي.

وفيما أكد حمدين صباحي أن حملة "تمرّد" وسيلة للخلاص من حكم الإخوان، وقع الدكتور محمد أبوالغار على استمارة الحملة تشجيعاً للشباب الذي يجمع التوقيعات.

وقال خالد المصري، المتحدث الإعلامي لـ"٦ إبريل"، بحسب ما نقلت صحيفة "المصري اليوم"، إن الحركة قررت المشاركة في الحملة لجمع ١٥ مليون توقيع على بيان سحب الثقة من الرئيس، مشيراً إلى أن الحركة ستعطي الحملة طابعاً دولياً، وستكلف أعضاءها بالخارج خاصة في دول أوروبا بجمع توقيعات المصريين المقيمين في الخارج على بيان سحب الثقة، حتى ينجحوا في جمع التوقيعات المطلوبة قبل المدة الزمنية لها.

ووقع أحمد دومة، الناشط السياسي، على استمارة حملة "تمرد" من داخل قفص الاتهام بمحكمة القاهرة الجديدة، حيث يحاكم بتهمة إهانة الرئيس، وقررت المحكمة حجز القضية للحكم في جلسة ٣ يونيو/حزيران المقبل.

حملة "تجرُّد" مضادة

ومن ناحية أخرى، دشنت الجماعة الإسلامية والجبهة السلفية وحركة حازمون، حملة "تجرّد" لمساندة مرسي بهدف التصدي لحملة "تمرد"، فيما رفضت جماعة الإخوان المشاركة في الحملة. وقال عاصم عبدالماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، إن حملة "تجرد" تسعى لجمع ملايين الأصوات المؤيدة لاستمرار فترة حكم مرسي.

وفي السياق نفسه، قال الدكتور خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية، إن حركة تمرّد مدعومة من الطائفيين لإحداث فوضى واضطرابات في الشارع قبل الانتخابات. وأضاف أن الجبهة السلفية تدعم الرئيس محمد مرسي، مشدداً على أن "الانقلاب عليه انقلاب على إرادة الأمة"، بحسب قوله.