الأحد، 7 أبريل 2013

التقليد الأعمى


زحام متلاحق عبر الأيام بين كل أنواع البشر بكل نشاطاتهم وصراعاتهم في الحاجات والرغبات، فلا يوجد إنسان يستطيع أن يقسم عقله إلى جزئين بين الخير والشر لكي يتوخى الحذر من الجزء الخبيث بداخله ويلازم الجزء الطيب في تعاملاته!! ولكن كما هي سُنة البشرية التي تحتم ضرورة الإختلاط العشوائي الغير مقصود والغير مرتب بين كل صنوف الناس؛ والتي تجعلك إما شاكر لشخصك وذاتك وإما ماقت وساخط على حياتك وظروفك.. فما بالك إن كنت شاهد على شخص سطحي تافه منكسر يجعل من نفسه لعبة بين أيدي الآخرين ولا يستطيع الثبات على مبدأ من أجل نفسه، فهو رخو عديم الصلابة في إيمانه بالخطأ والصواب يراقب غيره ويحاول أن يجد صلة بين ما يعيشه في حياته وبين ما يعيشه غيره من الناس، يحاول أن يتخذ النمط الإعتيادي ويتصرف مثل الناس لكي لا يشعر بالغرابة عنهم ويستمتع بشعور الإنتماء للآخرين؛ ولكن سرعان ما يتحول هذا الشعور إلى الإستنكار والتبعية لأن هذا الشخص متأكد أنه مجرد تابع ومقلد للآخرين ويعلم في قرارة نفسه أنه مجرد نكرة بالنسبة لنفسه وبنسبة لمن جعلهم أسياد حياته، فهو لا يستخدم أي موهبة أو ميزة تبني له كيانه المستقل وتجعله يشعل بالهواء الذي يتنفسه؛ بل يترك نفسه في درجة دنيا من الأخرين ويجعل الأشرار منهم يستغلون تعلقه المرضي بتصرفاتهم لكي يجعلوه ذيل مُكمل لكل رغباتهم؛ والمؤكد أن الأخيار إما يتهربون منه لعلمهم بتتبعه لهم أو يستمتعون بشعور العلو الذي يمنحه إياهم.


الغريب أن هؤلاء الناس الذين يستخدمون التقليد الأعمى في ملئ فراغات شخصيتهم يعلمون أن لا يوجد مبرر وحيد يجعلهم واثقين من أن تقليدهم هذا يعطيهم الصواب في نتائجهم.. بل هم لديهم كسل في إنتاجهم العقلي وإيجاد حلول لمشاكلهم وتفسيرات للوقائع التي يشهدوها في حياتهم؛ لأن أكبر متعة لدى أي إنسان قوي أن يبحث في عقله على طرق تساعده في التخلص من أغلال تقيد إنطلاقه إلى النجاحات التي يتمنى تحقيقها.. فعندما يرى الإنسان الفضل الذي يرجع إلى النعم والقدرات التي خلقها الله-عزوجل- فيه يشعر بحبه لخالقه وبتقدير ربه له ويكون سعيد بالمعجزات التي وضعها الله-عزوجل- فيه لأن عظمة الخالق تتجلى على أن يخلق إنسان مثل الآخر في كل المقاييس ومعاذ الله-عزوجل- أن يجعل إنسان عديم الفائدة إلا أن يكون إمعة لغيره يلتقط فضلات أفعال الآخرين لكي يجمعها في هويته ويصبح عقله قبر مظلم ملئ بالإعتقادات الميتة التي جعلت منه شخص قصير المدى في إنجازه الشخصي، فمن أبسط خصائص طبيعة الحياة أنك يستحيل أن تجد يوم عشته شبه يوم حاضر أو أن تجد أحداث لديك متساوية مع أحداث شخص آخر.. ولذلك يجب أن تسأل نفسك: إذا كان عقلك لا يشبه عقل شخص آخر ولا شكلك وهيأتك شبه شخص آخر حتى وإن كان توأمك ولا حياتك شبه شخص آخر ولا حتى خلايا جسدك شبه شخص آخر إذن فلابد أن تجعل لشخصيتك كيان مختلف عن أي شخص آخر لأن الله-عزوجل- خلقك لأسباب مختلفة عن أي مخلوق آخر ويريد أن يرى منك نتائج مختلفة في حياتك عن أي كائن آخر.

الخطر الأعظم ليس في أن تُقلد الآخرين لأنك مستحيل أن تصبح ملازم لهؤلاء الناس طوال حياتك، ولكن إقتباسك لآراءهم وأفكارهم هو الخطر الذي يتولد عنه مصائب تتعقبك طوال حياتك لأنك قد رسخت في عقلك مواقف رأيتها من غيرك وجعلتها حجة تستند إليها في مسار حياتك، سواء إن كنت تعتبر أمثالك العليا الذين أصبحوا رؤساء تفكيرك هم منارة الرؤية لك في أي عقبة تواجهها حتى وإن كانوا مخطئين فأنت لاترغب في تغيير فكرتك المقدسة عنهم في الماضي وبالتالي لن تحاول أن تتحرر من تبعيتك لهم في المستقبل؛ وهذا هو السبب المباشر تجاه الكثير من الناس الذين نعرفهم في حياتنا ونجدهم لا يغيرون أي شيء من عاداتهم أو أساليبهم الخاطئة منذ بداية حياتهم، فلا تستغرب حين تجد شخص تعرف عنه الرقي والتقدم وتسمعه يتحدث عن بعض الأفكار الرجعية التي من المؤكد أنه إكتسبها من أهله أو معارفه في صغره، وأيضاً أصبح من الطبيعي أن تجد إنسان صالح يريد أن ينظف أخطاءه القليلة التي لا تعتبر كبائر ويُصر على التخلص منها ولكنه يعيد الكَرة لأنه يرى أن الناس لا تتقبل تغييره المفاجئ وأنه ليس رجل دين وأن لا يوجد إنسان يمكن أن يولد من جديد؛ والحقيقة أن هذه أفكار مترسبة في ذهنه نتيجة التقليد لمن يتبنوا هذه الأفكار وأخذ يرددها وراءهم لأنه رآهم يفعلوا ما يعجز عن فعله لأنهم يملكون المبررات التي تريح الضمير.

الموضوع قد يكون بسيط ظاهرياً ولكنه وباء يجتاز هويات أمم وشعوب بأكملها؛ حيث إنتشار مفهوم الإمبريالية وهو الإتجاه المعاكس للتقليد يترك أثر تحكمي من خلال فرض الدول الأقوى ثقافتها وأفكارها على الأمم الأضعف والأفقر، فمن المُلاحظ الآن أن هناك موجة نقل ثقافات غربية في الشرق الأوسط ودول العالم الثالث وهذا بدافع الشعور بالعجز والتخاذل عن موكب التقدم فللأسف كل من رغب في واجهة عصرية أخذ قشور العولمة من الدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا بالطبع، وهذا لأن الحديث عن العراقة والتاريخ الأصيل أصبح رجعية وتعصب لكي يتساوى العاطل بالباطل ويصبح مؤسسين التاريخ عبيد لدى لصوص الحضارات، فكل من أراد أن يلحق بمن تقدم عنه يجب أن يخطط إلى أن يتفوق عليه في نقاط ضعفه وهذا بالتأكيد له نتائج إيجابية عكس التقليد والتبعية.. فأنت إن أصبحت راعي لأخطاء أُناس آخرين بتقليدك لهم فهذا لن يعطي لك هالة مضيئة من رفعة الشأن؛ بل ستكون قد قدمت لهم خدمة إنتشار مفاهيمهم بين غيرك من الناس وإجتياز رغباتهم بين قوم آخرين لكي يظلوا هم أرباب العظمة وأنت نكرة في تبعيتهم، فما بالك بوهم الإنتشار الذي يجعل أي شخص يعمم أفكار غيره على تصرفاته ويقول أنا أفعل ذلك لأن كل الناس يفعلون ذلك! فالتاجر يباهظ بأسعار ممنوعة لأنه يرى تاجر آخر يفعل ذلك ويقتنع بأن هذه هي وسيلة الثراء السريع وينتشر وباء التقليد فيصبح أغلبية التجار عصابة إرتفاع الأسعار دون أن يتوقف أحد منهم ليراجع نفسه في حُرمة ماله وماترتب على أفعاله في المجتمع، وكذلك الشاب الذي يضع لنفسه المواصفات القياسية والشروط المخصصة في العمل والزواج ويبدأ بمواجهة الناس بعيوبهم بدلاً من مواجهة نفسه بعيوبه؛ فيجد إستحالة في إيجاد أحلامه ويبدأ بإرضاء نفسه بأن كل الشباب حالهم مثل حاله لأنه يعنيه أن يبدأ بالخطوة التي تليها خطواته التي تجعله يحقق المستحيل بل يكرر ما يسمعه ويراه من غيره حتى يصبح بالنسبة له أمر واقع، وحتى التلاميذ الكُسالى الذين لا يجدوا أسباب هدافة تشجعهم على الإجتهاد والدراسة ويعتبرون الغش وسيلة أساسية في إجتياز الإمتحانات وكأنهم لا يرون عيباً في هذا ويبدأون في إطلاق بعض المُسميات الوهمية على إستمرارهم في الغش بدافع مُجاراة غيرهم؛ وربما يكونوا غير محتاجين للغش وسرقة الإجابات ولكنهم قد تعودوا على نمط التقليد دون حساب وهم غير مدركين أن النجاح رزق يقسمه الرحمن.

وقفة المُزاح تكون عندما نتحدث عن المظاهر في الشكل أو الملابس التي تكون بمثابة زي وهيئة رسمية منتشرة بين كل فئات الناس خاصة بين البنات والشباب، بصرف النظر عن اللياقة البدنية وشكل الجسم يتناسب مع طبيعة هذه الملابس ام لا؛ حيث أن معظم الشباب والفتيات وحتى الأطفال يكونوا منساقين وراء ما يشاهدونه في التلفاز من ملابس النجوم أو ما تصدره بيوت الأزياء من ملابس عجيبة النمط.. ليس من العيب ان يتألق الإنسان في مظهره ويهتم بمواكبة تقدم أسلوب الأزياء لكي يشعر بالسعادة في تقييمه لمظهره الذاتي؛ فينظر في المرآة ويقول أنا شكلي جميل ويجد الرضاء الكامل عن مظهره دون التعدي على خلقته الثابتة التي خلقها الله-عزوجل- له وأحسن تقويمه.. فيجب ان يحب كل شئ في شكله وملامحهه لأنها تخصه وليس لأن شكلها لائق وهذا من منطلق أن تقدير الذات قبولها كما هي يعطي قوة وطاقة إيجابية تساعد على التفرد وتخفض معدل الهوس بآراء الناس، وحينها ستجد الأزياء مجرد وسيلة تنتقي منها ما يساعدك على إكتمال روعتك وليس غاية يكون الهدف منها انك مُماثل لبقية الناس؛ فمُصممين الأزياء بشر مثلك ليسوا كائنات خرافية ينتجون أفكار من المعجزات فهم يتميزون فقط بالحس الفني وبراعة العرض والإمبهار..ولذلك يجب ان تدرك حقيقة ان أزياءهم ليست قوانين أو تشريعات يجب اتباعها دون رؤية؛ وعامة لا يوجد أحد يرى شكلك بالدقة والوضوح كما ترى نفسك.

المعادلة واضحة حتى وان لم تراها لأن شعورك بنفسك هو الذي يعكس لك نظرات الآخرين، أبسط المشاعر التي تراود قلبك تظهر عليك في ملامحك وكلامك ومعاملاتك وتعطي عنك الفكرة الصائبة في أذهان الناس كما لو كان هناك شاشة تعرض ما يدور بداخلك، إجعل لإستخداماتك من مستلزمات الحياة من حولك سبب مقنع لكي ترتاح تجاه نفسك في كل ما تختاره دون مراعاة اي إهتمام ان كان يشبه غيرك، فضرورة أن تعطي لإعتقاداتك معنى مستقل من أمثلة حية عن بعض العظماء في التاريخ أو الحاضر يجعلك متلهف لكي تُنشأ لنفسك طريق يوصلك لأهدافك؛ وهذا لأن العبارة التي يجب ان تكون مشتعلة في ذهنك أن الله-عزوجل- لم يخلقك مسخ من أي أحد ولكنه أعطى لك الخصوصية في عقلك وحياتك وإيمانك وشعورك وأفعالك وينتظر منك النتيجة، فإستمتع بنفسك قبل أن تندم عليها وتجد نفسك مسلوب الشخصية.