الجمعة، 8 يونيو 2012

اليوجينيا..هل هي تحسين أم إبادة

فجأة، ومع صعود الحركات القومية المتطرفة في أوروبا، والتطور غير المسبوق في الهندسة الوراثية مؤخرا، وأبحاث "الجينوم" البشري، عاد علم "اليوجينا" العنصري القديم ليطل بوجهه القبيح على العالم مرة أخرى!


فبعد قرون طويلة من اختفائها عادت "اليوجينيا" لتصم علم الوراثة البشرية بوصمة عار جديدة، فظهرت في فرنسا وبريطانيا وألمانيا جماعات كانت تعيش في الظلام، تدعو إلى استخدام "اليوجينيا" لفرز البشر ودعم تفوق الجنس الأبيض وحمايته من الأزمة الاقتصادية العالمية.

و "اليوجينيا" لمن لا يعرفها هي علم "التحكم في السلالة البشرية" لضبط معدلات الولادة و "تحسين" صفات البشر عن طريق ولادة الصالحين بيولوجيا فقط، بتشجيع الزواج المبكر لما يسمى "الأعراق الممتازة" فحسب، وحرمان غير الصالحين من الخروج إلى الحياة، وهو بذلك علم عنصري بكل المقاييس، عرفه العالم لأول مرة كعلم عام 1869 م على يد عالم بريطاني متعصب للجنس الأبيض يدعى "فرانسيس جالتون" كان يقول إن "كلاب أفريقيا تكف عن النباح إذا ما تنفست هواءنا" !

ويعرف بعض العلماء "اليوجينيا" الإيجابية بأنها دراسة العوامل الخاضعة للتحكم الاجتماعي بهدف تحسين الخصائص الطبيعية الموروثة للأجيال في المستقبل جسديا وذهنيا، وذلك على عكس "اليوجينيا" السلبية وهي الحد من تناسل من لا يستحقون الحياة، حسب رؤية عنصري لا إنسانية ساخرة، ويدخل في عداد هؤلاء المتخلفين ذهنيا أو أصحاب الأمراض الخطيرة وسواهم.

ولكن "اليوجينيا" حسب النظرة الإنسانية كلها شر، فمن الذي يعطي لهذا العالم أو ذاك حق "تقويم" البشر، وإعطاء تصريح  بالحياة لمن يرى أنه الأفضل عرقا أو عقلا، وحرمان آخرين من فرصة الحياة لمجرد أنهم ولدوا ببشرة سمراء أو أقل صحة وذكاء من غيرهم ؟!
جمهورية الأذكياء فقط!

أول "اليوجينيين" في التاريخ هو الفيلسوف اليوناني الشهير "أفلاطون" الذي يعد أول داعية "لليوجينيا", إن كانت مجرد أفكار غير مدعومة بعلم البيولوجيا لتصبح علما، ففي "جمهورية أفلاطون" الخيالية كان الفلاسفة وأصحاب الفكر يتمتعون بالصحة والعافية والمكانة، فيما كان غيرهم من العامة محدودي الذكاء يشغلون المراتب الدنيا من السلم الاجتماعي، فهي جمهورية متخيلة يحكمها الأذكياء فقط، وعلى هؤلاء أن يديروا أمور الحكم بحيث يتم تزويج "الأقوياء" وأصحاب القدرة العقلية والشجعان في الحروب مبكرا، ومنع المرضى وذوي العاهات من التزاوج نهائيا!

ورغم أن أفكار افلاطون كانت مجرد تهويمات فلسفية، الهدف منها هو رسم خارطة المجتمع المثالي من وجهة نظره، إلا أن هذه الأفكار ألهمت العديد من العلماء والمفكرين والأدباء في أوروبا فيما بعد، وفي عام 1869 م أصدر السير "رانسيس جالتون" كتابا بعنوان "العبقرية الوراثية" تناول فيه سير المشاهير من العباقرة على مر العصور، ورسم "جالتون" تصورا نظريا، مفاده أن العبقرية تظهر مرة بعد مرة في العائلة نفسها، ما يعني أنها قدرة عقلية موروثة وليست مكتسبة، وهكذا كان "جالتون" هو أول ممن قدم تعريفا واضحا لعلم الوراثة.

ويقول الدكتور "مجدي زعبل" الأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس بالقاهرة، إن "اليوجينيا" تعتمد على استبدال الانتخاب الطبيعي من الكائنات الحية عامة والبشر خاصة، بانتخاب صناعي موجه لخدمة أهداف اجتماعية أو سياسية معينة، وهي بذلك تصطدم اصطداما مروعا بالمبادئ الأخلاقية والاعتبارات الإنسانية، وهو السبب الأساسي لاختفائها من خارطة العلوم البشرية وظهورها بقوة أو على استحياء بين آن وآخر، على يدي المتطرفين القوميين في الغرب.
نهر الجنون


ومن الغريب أنه رغم السمعة السيئة لعلم "اليوجينيا" إلا أن مفكرين وأدباء وساسة ذوي نزعة إنسانية تعاطفوا معه، وكان من هؤلاء "برتدراند راسل" و" برنارد شو" و "هـ . ج . ويلز" و "ألدوس هيكسلي" و "تشرشل" و "روزفلت" وغيرهم.

وفي عام 1992 م نشرت - لأول مرة -  الأوراق الشخصية للزعيم البريطاني "ونستون تشرشل"، وهو أحد أكثر الزعماء الأوربيين احتراما وشعبية في القرن العشرين، وأصيب الرأي العام العالمي بالصدمة عندما قرأ في مفكرة "تشرشل" الشخصية هذه العبارة، التي كتبها عام 1910 عندما كان وزيرا لداخلية بريطانيا العظمى، قال "تشرشل" : "إن النمو الشاذ المتزايد السرعة لطبقات ضعاف العقول والمتخلفين، والذي يصاحبه كما نعرف تقييد مطرد في نمو كل السلالات القوية الرفيعة، يشكل خطرا قوميا وعرقيا داهما على أوروبا، وإنني أعتقد أنه من الضروري أن يوقف ذلك الرافد الذي يغذي نهر الجنون، قبل مرور عام وإلا أصيبت أوروبا كلها بالجنون" !
عودة الوجه القبيح

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام  1945م ، والسقوط المروع "للنازية" و "الفاشية" في ألمانيا وإيطاليا، ثم كشف النقاب عن بعض الفظائع التي ارتكبت باسم "اليوجينيا" هذا العلم – مؤقتا – إلى المعامل والمختبرات، وتغير اسم المعهد الذي أنشأه "جالتون" في لندن من "معهد اليوجينيا" إلى "معهد جالتون" واعتبرت أوروبا كلها هذا العلم علما عنصريا بمعنى الكلمة.

ومرت عقود من الزمن قبل أن تعود "اليوجينيا" للظهور مجددا، ولكن خارج حدود القارة الأوروبية هذه المرة، وبالتحديد في الصين؛ حيث ظهر تشريع رسمي في عام 1988م بحظر زواج المعاقين ذهنيا إلا في حالة "تعقيمهم" حتى لا يتناسلوا، واستمر العمل بهذا القانون لعدة أعوام حتى تم إلغاؤه بعد ضغوط مارستها منظمات حقوقية دولية على حكومة الصين الشيوعية.

وبعد نحو عقدين ظهرت دعاوى "اليوجينيا" مجددا – على استحياء – في أوروبا وأمريكا، وذلك على أثر صعود نظرية "صدام الحضارات" التي أطلقها عالم الاجتماع الأمريكي"صامويل هنتجتون" ، وما تلاها من نظريات متطرفة تؤكد حتمية الصدام بين الشرق والغرب، بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وهو الأمر الذي دعا بعض المفكرين الغربيين المتطرفين إلى القول بأن "اليوجينيا" هي الحل لضمان بقاء الجنس الأبيض.

وعلى المستوى السياسي يمكن اعتبار حرب البوسنة، التي ارتكب فيها الصرب مذابح واسعة النطاق في التسعينيات من القرن الماضي، ضد الألبان المسلمين، نوعا من "اليوجينيا السلبية" ذات الدوافع السياسية، حيث تم اغتيال الآلاف من رجال البوسنة والهرسك، وجرت عمليات اغتصاب جماعية بشعة للنساء بهدف "التطهير العرقي" والحيلولة دون استمرار العرق الألباني المسلم، في هذه المنطقة من أوروبا.

ومع عودة جماعات "النازية الجديدة" في ألمانيا، وتصاعد الدعوات المتطرفة في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، تعود نظريات "اليوجينيا" إلى ساحة الأفكار، مشفوعة برغبة جارفة في تخليص أوروبا من السود واليهود والعرب ومن كل المتاعب التي حاقت بالجنس الأبيض على أيدي غير الأوربيين، فهل يكتب "لليوجينيا" الحياة مرة أخرى ؟ هذا هو السؤال الصعب. 

 معظم الناس لم يسمعوا عن ( اليوجينيا ) ومعظم من سمعوا عنها يعتقدون إنها قد إنتهت مع هزيمة هتلر عام 1945م ، كان السير فرانسيس جالتون هو من صاغ المصطلح عام 1883 ، رأى أن التطور الصحيح للجنس البشر قد انحرف ، فقد قادت نزعة الخير لدى الأثرياء وإنسانيتهم إلى تشجيع (( غير الصالحين )) على الإنجاب، الأمر الذي أفسد آلية الإنتخاب الطبيعي ، ومن ثم أصبح جنس البشر في حاجة إلى نوع من الانتخاب الصناعي ، أطلق عليه اسم ( اليوجينيا ) . كان يعنى ( علم تحسين الإنسان عن طريق منح السلالات الأكثر صلاحية فرصة أفضل للتكاثر السريع مقارنة بالسلالات الأقل صلاحية )....

أما موضوع بحث اليوجينيا فهو ( دارسة العوامل الواقعة تحت التحكم الاجتماعي التي قد تحسن أو تفسد الخصائص الطبيعية الموروثة للأجيال في المستقبل ، جسديا أو ذهنيا ) قيل إن اليوجينيا رغبة طبيعية في الإنسان الفرد، وفي الجماعة ، لم يكن ثمة مانع لدى الوالدين في فجر التاريخ من قتل طفل لتوفير فرصة أفضل لبقاء أخيه ، بدلا من موت الأثنين . وكانت محالاوت الإبادة الجماعية للاعداء وسيلة معروفة لتحسين فرصة بقاء العشيرة .

ربما كان افلاطون هو أول اليوجينيين . فعلى رأس ((جمهوريته )) كان فلاسفة يتمتعون بالصحة الطيبة والقدرة العالية على التفكير ، أما محدودو الذكاء فكانوا يشغلون المواقع الدنيا من الهيراركية ،كانت الجمهورية ترتكز على الإسترقاق ، ولم تتحدث كثيرا عن النساء - كانت مرتبتهن على العموم متدنية في المجتمع الإغريقي- .كان افلاطون يعتقد ان ( المزاج ) يورث . وكان على حكام الجمهورية أن يدبروا أمر تزاوج ( المرغوبين ) وأن يتيحوا لكل من يُبلى بلاء حسنا في الحروب فرصا للإنجاب أكبر .
كانت أفكار افلاطون في الواقع تعادل ما نسميه اليوم (( اليوجينيا الايجابية ))

إن جوهر التطور هو الانتخاب الطبيعي ، وجوهر اليوجينا هو أن ( نستبدل بالانتخاب الطبيعي انتخابا اصطناعيا واعيا ، بهدف الإسراع من تطوير الصفات المرغوبة والتخلص من الصفات غير المرغوبة ) أن نحسن الأجيال القادمة ، على حساب الأجيال المعاصرة . الفرض المستتر إذن هو أن هناك من البشر من هم أفضل من غيرهم ، من يستحقون أن ينجبوا أكثر من الآخرين وأن يُمثلوا في الجيل التالي بنسبة تفوق نسبتهم في الجيل الحالي ، ولقد يتم ذلك بزيادة نسل من (( يستحقون )) ( اليوجينيا الايجابية ) أو بتقليل نسل من (( لا يستحقون )) ( اليوجينيا السلبية ) . التحوير المتعمد لجنس البشر لأهداف اجتماعية هو ما تطمح إليه اليوجينيا ، ( وعندما يتغلب الانسان على تطوره البيولوجي ، سيكون قد وضع الأساس للتغلب على كل شيء آخر .. سيصبح الكون أخيرا طوع بنانه ) كما قال يوجيني عتيد .

سيحد اليوجينيون إذن للتطور مسارا جديدا ، أهدافا جديدة يقررونها هم حسب أهوائهم . هم يرون أننا لا بد أن نُسلم زمام التطور والانتخاب في المرحلة الراهنة إلى ( النخبة ) الأرستقراطية الآرية ، وألا نترك الأمر للصدفة ، لأن الصدفة قاسية غليطة القلب ، وهي متقلبة ، وعادة ما تكون أكثر تكلفة ...ثم أن علينا أن نغير الوسيلة التي يتخذها الانتخاب الطبيعي والصدفة للقضاء على العشائر ( التي لا جدوى منها ) - يقصدون التخلص منها بالموت - وان نستبدل بها وسائل أكثر تحضرا ونبلا وإنسانية : تحديد النسل . اليوجينيا ترى أن هناك عشائر بشرية (( لا جدوى منها )) .

ذاعت حركة اليوجينا في اوائل القرن العشرين في أوروبا وأمريكا عندما كان علم الوراثة لا يزال طفلا يحبوا ، وانضم إليها وتعاطف معها الكثيرون من كبار المفكرين والعلماء والساسة والفلاسفة ورجال المال : براتراند راسل ، ج . د . برنال ، جوليان هكسلي ، رونالد فيشر ، برنارد شو ، هافلوك إليس ، د. هـ . لورانس ، ألدوز هكسلي ، هـ . ج . ويلز، روزفلت ، تشرشل ، جون روكفيلر . خلقت تيارا عارما يبررها ، يحرسها ، يدافع عنها ، يُشرع لها . أجتاحت أوروبا وأمريكا . أصبحت دينا . كرست نفسها لتأكيد أن الناس لم يُخلقوا سواسية . كانت أوروبا في القرن الثامن عشر قد سيطرت - بالأسلحة وبالمفاوضات ، بالقوة وبالخداع - على أفريقيا ، وآسيا ، ثم أمريكا . وبقيت مسيطرة طويلا طويلا حتى اعتبرت نفسها سيدة العالم ، وان بقية البشر إنما خُلقوا من أجلها ، من أجل الرجل الأبيض . (( إن الكلاب تكف عن النباح إذا ما استنشقت هواءنا )) . الشعوب ، كما الأفراد ، لم تُخلف سواسية . وهذا كارل بريجهام يؤكد سنة 1923 أن السود في أمريكا يشكلون نسبة من ضعاف العقول تزيد على نسبتهم في المجتمع .

ملحوظة:هذا البحث العلمي له مصادر موثوقة وليس ناجم عن التأليف أو الإدعاء.