كثيراً ما يوصف عصرنا الحالي بأنه عصر الفضاء أو عصر الذرة - أو عصر أي حدث نود تضخيمه - ولكنه في نظري "عصر السمنة والأوزان الثقيلة". ففي تاريخ البشرية الطويل لم يسبق أن كانت السمنة بهذا التفشي ولم يحدث أن اجتمع بدينان في "قرية" واحدة. وليس أدل على هذا من أن شعوباً تميزت سابقاً بالرشاقة ودقة العود (كالعرب) أو بالقصر وضآلة الحجم (كجنوب شرق آسيا) تعاني اليوم من وطأة الشحوم وبطء الحركة.. ويشير معهد "مراقبة العالم" إلى أن عدد البدناء وصل حالياً إلى مليار ومائة ألف شخص - أي ما يزيد على سدس سكان العالم. وهذا الرقم يعني تحول السمنة إلى "وباء" عالمي ويؤكد حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (عن آخر الزمان) حيث "ينشأ أقوام يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون ويفشو فيهم السمن"!
* ويعد بديناً كل شخص يزيد عن وزنه الطبيعي بـ 10كلغم على الأقل. ويعد مفرطاً في السمنة حين يتجاوز 30كلغم فوق المعدل المفروض. وفي الوضع العادي يحتاج الرجل إلى 2300سعرة حرارية والمرأة إلى 2000سعرة في اليوم (ويستطيع كلاهما العيش بصحة ممتازة بـ 1900سعرة؛ كما في بنجلادش وسيراليون)!
ولو فكرنا بأخذ جولة حول العالم سنصاب بالصدمة والذهول من نسب السمنة في بعض الدول:
- ففي أمريكا يصنف 61% من البالغين كبدناء، وفي روسيا وصلت النسبة إلى 54%، وفي بريطانيا 51% وفي النمسا 50% (حسب آخر تقرير لمعهد WORLD WATCH)!
- أما في المكسيك فيعد 58% من الشعب بديناً، وفي مصر 35% من مجمل البالغين، وفي كامل أمريكا اللاتينية 33% (حسب الاقتصادية 2000/9/15م)!
- أما في الدول العربية فتبلغ نسبة السمنة في السعودية 18% لدى الرجال و28% لدى النساء، وفي الإمارات 16% للرجال و38% للنساء، في حين تتصدر الكويت الدول العربية بنسبة 44% للنساء و32% للرجال (حسب الشرق الأوسط 31يوليو الماضي)!
* وما من شك أن رخص ووفرة الغذاء هذه الأيام هو السبب الأول لزيادة أوزان البشر. فقد انتهى الوقت الذي يمكن فيه لأي مجاعة أن تقتل عشرين مليون إنسان دفعة واحدة (كما حدث في الصين عام 1969م) وتحول الوضع بسرعة إلى مجتمعات متخمة مثل (إيرلندا وبلغاريا وبلجيكا) حيث يستهلك الفرد أكثر من 3750سعرة حرارية في اليوم!
ورغم هوس الأمريكان "بالريجيم" إلاّ أن أوزان المواطنين هناك زادت منذ عام 1980م بمتوسط خمسة كيلو غرامات لكل شخص.. ليس هذا فحسب بل غدا الأمر شبه وراثي حيث اتضح أن العائلات "الثقيلة" تنجب غالباً أبناء ثقال الوزن. فالأطفال هناك أصبحوا يملكون أجساداً أضخم من التي يملكها "الرجال" في تايلند وبنغلادش ويتمتعون بأوزان تزيد بـ 25% عما كان عليه آباؤهم في نفس السن!
أما في ألمانيا فلا يختلف الوضع كثيراً حيث يعاني من السمنة 50% من عموم الشعب. أما الأطفال الألمان فهم في ارتفاع وتضخم مستمر لدرجة أن متوسط أوزانهم يفوق النسب الموجودة في جميع دول الاتحاد الأوروبي (وما يبدو لي أن أطفالنا - يخزي العين - يسيرون في نفس الاتجاه)!!
.. الخطورة الحقيقية للسمنة تكمن في أنها سبب غير مرئي لطائفة كبيرة من الأمراض الخطيرة - كالقلب والسكر والتهاب المفاصل.. وبهذا الخصوص لا أجد أفضل من نصيحة المصطفى صلى الله عليه وسلم "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"!