المعروف عن سلوك النفس في داخلها،أنها إذا كرهت أمرا كراهية عميقة وشعرت تجاهه بمقت بعيد الفور،توقف إلى تحقيق نقيضه ومحبة مضادة ولذا يصبح من الوسائل الناجحة في توجيه المرءنحو الهدوء،أن نرسم للراغبين فيه صورة المضطرب وبشاعتها وحدها كفيلة بجعل راثيها هادئا.
يعيش المضطرب في حالة توتر عصبي عضلي دائمة،كما أن توتره الأخلاقي مستمر لا ينقطع،وهذا الأخير يتمثل في اعتلالات صحية من اختلال في نبضات القلب إلى عسر في الهضم،إلى تعطيل جزئي في انتظام التنفس، وفقدان التسلسل أخيرا في الأفكار.
المضطرب يفكر عفويا،بشكل متقطع متناثر فهو لذلك يضطر إلى بذل جهد شاق كلما أراد أن يستجمع انتباهه ويركزه في موضوع معين،خاصةإذا كان الموضوع تجريديا،يحتاج إلى تمثلات ذهنية لاسند لها في العالم الخارجي المادي.
أن يجد المضطرب صحوه النفسي التام،ويقظته الفكرية عندما يستفيق من نومه،فهو لا ينهض إلا تحت ضغط واجباته الملحة، وهو بالرغم من تشدده المادي، واجتهاده الحثيث في تحقيق الاستقرار والإستقامة،يجد أن سهوه كثير، ونسيانه أكثر، ويرى أن عمله يسير ببطء، فيحاول أن يعوض عما فات بحماسة تكلفه تعبا شديدا، لايلبث أن يلمس صداه في بنائه الصحي العام.
المضطرب مرهق دوما فهو لا يشعر بالراحة والعافية إلا نادرا، وانتباهه يترنح غالبا بين اجترار الساعات الماضية، وتوقع مايجري في الساعات المقبلة.
المضطرب انفعالي النزعة يأخذ لون الجو الذي يعيشه، فإما أن يكون فرحا مسرورا دون اعتدال وإما منهمكا جافا ممتعضا دون سبب ولا يملك بين هذين أن يغير جوا أو يخلق حالة جديدة.
فهو قلق وفارغ الصبر وسريع الغضب وحاد المزاج ويقول في هذه الساعة ما يتعذر عنه بعد ساعة وينفي الآن ما يؤكده غدا، ويتصرف اليوم تصرف الملائكة، وتراه بعد يوم شيطانا..يلجأ الى ضرب من البيان المتقطع العجول، وذلك ناشئ عن رغبته في أن يفهمه الناس بأسرع مما يفصح، ونادر ما يفهمونه فيحس بذلك ويزداد إرتكابه.
اذا حضر المضطرب مجلسا ما، أوحى حضوره إلى غيره شعورا بالإنقباض الذي يخامره حتى وإن ظل صامتا وجامدا ولا يبدئ ولا يعيد..ويختل التوازن النفسي عند المضطرب عادة لدى أقل معارضة ويكفي أن يخيب أمله مهما كان ضئيلا في أمر بسيط كان يتوقع حدوثه، ليذهب به اليأس كل مذهب ويطير به الخيال إلى مالا صلة بالواقع ولا بالحياة ولا بالمجتمع.
إن أصيب المضطرب بكارثة حقيقية يفقد القليل مما عنده من برودة الدم ويرد على المصيبة فورا دون تأمل أو استيضاح، ويضيع صفاء ذهنه ويزيد الحالة خطورة والموقف تعقدا أكثر مما يخفف من سوء نتائجه، رغم أن المضطرب يميل بطبيعته إلى النقد المنهجي، ويعترض على أكثر ما يرد من أفكار، تراه ينساق دون احتياط مع كل عرض هادئ من شأنه أن يطمأن اضطراب نفسه، ويدغدغ رغبته الدفينة في التهرب من أفكاره.
ليس بين المضطربين من يمكن أن يكون ذا شخصية ساحرة، أي موهوبا في التأثير والنفوذ وإن كان فيهم أصحاب كفاءات وقيم رفيعة؛ فالمضطرب مهما علا منصبه وتعددت مواهبه لا يحظى بما يستحق ولا ينال التقدير اللازم لأنه لا يخلق بطبيعة اضطرابه مناخا منسجما ولا يفكر في وزن كلماته ولا في الإحتفاظ بمزاج معتدل، سواء في حياته العامة أو في حياته المنزلية.