ولد إبراهيم السيد الرفاعى فى 27 يونيو من عام 1931 بشارع البوستة القديمة بحى العباسية بالقاهرة ً. كان أبيه السيد الرفاعى رجل الادارة بوزارة الداخلية من قرية الخلالة مركز بلقاس محافظة الدقهلية رجل يقدس الواجب والنظام وعكس ذلك على حياته الاسرية .فى حين أن والدته هى إبنة المرحوم القائمقام ( عقيد) عبد الوهاب لبيب من رجال الجيش الأوفياء . وقد نشأ الصبى شأنه شأن باقى أبناء مصر فى فترة متأججة بالثورة ضد الحكم الأجنبى المتمثل فى الانجليز . ومالبثت أن إندلعت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) . وإلتحق الصبى بالمدرسة الثانوية العسكرية وخلال تلك الفترة إندلعت حرب 48 التى كان يتابع بحماس مجرياتها وأتخذ من البطل أحمد عبد العزيز قدوة ومثلاً يحتذى .
بمجرد إنهاء دراسته الثانوية إلتحق بالكلية الحربية عام 1951 وتخرج منها فى السابع والعشرين من يوليو عام 1954 . فألحق بسلاح المشاة , ولكن همة الضابط الشاب دفعته للأنضمام إلى سلاح الصاعقة الذى كان قد انشئ حديثا بالجيش المصرى وحصل على فرقته بمنطقة أبو عجيلة بسيناء وكان ترتيبه الأول على تلك الفرقة عام 1955.
ولم يمهله الوقت ليثبت مدى ما تعلمه فى هذا السلاح حيث أنه كان من أوائل المجموعات من شباب الصاعقة التى دفعتها القيادة المصرية إلى داخل بور سعيد ليقود حركة المقاومة ضد العدوان الغاشم عام 1956 وقاد الرفاعى هناك عدد من عمليات الكمائن الناجحة ضد الجيش الانجليزى توجها بواحدة من أقوى وأجرأ العمليات ألا وهى الهجوم على مدرعات العدو بمعسكرها أمام مبنى المحافظة.حيث تمكن الرفاعى مع مجموعته من على بعد 50 متر فقط محتمين ببعض البراميل الخاصه برصف الطرق من توجيه قصفتين متتاليتين بقذائفهم المضاده للدبابات دمروا فى كل مره ثلاث دبابات وفى دقائق معدوده دمر للعدو 6 من دباباته الضخمه التى كان يتباهى بها وراتجت المدينه على صوت الانفجار .
وعبثا حاول العدو تطويق المكان للقبض على الفدائيين الذين لم يجد لهم اثرا عندما دخلت هذه المجموعه الى قسم شرطه قريب فتحول افرادها الى رجال شرطه ومساجين بالحجز .
وفى اليمن فيما يعرف بالعمليه 9000 الداعمه للثوره اليمنيه التى اتخذت من ثورة مصر نموذج لها , وقاد الرفاعى كتيبة صاعقه كانت له ادوار بارزه فى المعارك والاغارات وذكرة تقارير القياده المصريه عنه فى تلك الفتره :( انه ضابط مقاتل من الطراز الاول ,جرئ وشجاع, يعتمد عليه , يميل الى التشبث برأيه , محارب ينتظره مستقبل ممتاز).
وفى احدى الايام عندما كان بمقر قيادة القوات بصنعاء عرف ان كتيبة صاعقه مصريه محاصره فى منطقة صرواح وان ذخيرتها وشكت على النفاذ وان العدو قد علم بذلك الامر فبدأ هجومه عليها وانهم استعدوا لقتال العدو بالسلاح الابيض ولما كان الجو فى ذلك اليوم مكفهرا والامطار غزيره ويتعذر استخدام الطيران خرج الرفاعى من مقر القياده الى إسنراحة الطيارين وشرح لهم موقف كتيبة الصاعقه وما يمكن ان يتعرضوا له وطلب متطوعين لانقاذ هذه الكتيبه بامدادها بالسلاح والذخائر فتقدم للمهة اكثر من طيار , وفى دقائق كانت الطائرات تقلع وتحوم حول الموقع وتنهال عليها اسلحة القوات المعاديه من كل اتجاه وكان من الصعب القاء الذخيره بالمظلات كى لا تقع فى ايدى الاعداء وامام تعذر الرؤيه يطلب الرفاعى من الطيار الانخفاض الى ارتفاع اقل مع فى ذلك من خطورة الاصطدام باحد قمم الجبال ويستجيب الطيار البطل و يتمكنوا من رؤية افراد الكتيبه و يبدأوا فى القاء صناديق الذخيره والرجال يتلقفونها فى فرحه وصوتهم يعلوا عن صوت المحرك وفى عمليه اخرى شهيره فى اليمن عام 65 كان للرفاعى دورا مؤثرا فيها وهى العمليه التى عريفة بـ (عملية الجبل الاحمر )
حيث اوكلت الى الرفاعى قيادة مجموعه من رجال الصاعقه للتسلل الى داخل مخابئ العدو بين الجبال وتدمير مخازن ذخيرته واسلحته والاشتباك معه وتحت تاثير هذه الصدمه تقوم القوات المصريه بالهجوم للاستيلاء على هذا الموقع الهام وقد رقى بعد هذه العمليه ترقيه استثنائيه الى رتبة العقيد .
وفى عام 67 عندما تعرض الجيش المصرى لمؤامرة دنيئه استهدفت تدميره من اجل اضعاف قيادته السياسيه او الاطاحه بها كلف الرفاعى اثناء انسحاب الجيش المصرى بمهمه استطلاع قتاليه مع مجموعه قليله من المقاتلين على المحور الشمالى وذلك بعمل ستاره دفاعيه للتصدى لقوات العدو المدرعه لتعطيلها عن التقدم تجاه الضفه الشرقيه للقناة حتى يعطى الفرصه للمزيد من قواتنا من الإنسحاب غربا ولاستكمال تحصين مدينة بورسعيد بالقوات اللازمه للدفاع عنها ولم تكن بالمهمه السهله للرفاعى وهو يتقدم شرقا وسط الامواج الهادره من الجنود المنسحبه وخلال الغارات الجويه للعدو ولكنه وصل للنقطه المحدده بالقرب من رمانه واحسن الانتشار بقواته ونجح فى التصدى لمقدمة لواء مدرع للعدو اجبره على التوقف عندما خشي العدو انه يصطدم بمقدمة قوة مصريه كبيره مما اتاح الوقت المطلوب وعاد الرافعى بعدد من المصابين من رجاله .
ولم تمضى أيام قليلة من نكسة يونيو المريرة إلا وكلف الرفاعى بعملية هامة وهى تلغيم قطار حربى محمل بالجنود الأسرائيلين وبعض الصواريخ المصرية التى تركت أثناء الانسحاب من طراز القاهر والظافر لعرضها داخل إسرائيل , ولم يعد الرجل ومعاونيه إلا بعد التأكد من تدمير القطار بمن عليه تدميراً تاماً.
وعندما إستقر رأى القيادة السياسية والعسكرية ضرورة القيام بعمليات عسكرية محدودة ضد العدو فى سيناء حتى يكتمل إعداد القوات المسلحة لحرب شاملة لأستعادة سيناء لم يجدوا أفضل من العقيد إبراهيم الرفاعى لقيادة مجموعة عمليات خاصة للعمل خلف خطوط العدو وكان إختياراً موفقاً حيث قام الرفاعى بنفسه بأختيار أفضل العناصر من الضباط وصف الضباط والجنود بسلاح الصاعقة والصاعقة البحرية لأعدادهم للقيام بمهامهم المرتقبة وقام الرفاعى ورجاله الذين عملوا فى البداية تحت ستار إسم منظمة سيناء العربية ثم تعددت أسمائها فقد أطلق عليها من قبل المخابرات الحربية التى كانت تشرف عليها إسم العصابة أو عصابة الرفاعى , وأطلقوا على أنفسهم إسم المجموعة 39 لأنه عند إكتمال عددهم بلغوا 39 مقاتلاً مابين ضابط وصف ضابط وجندى حسب رواية أحد كبار ضباط المجموعة ، فى حين يوجد ترجيح آخر وهو أنه عندما تعددت العمليات القتالية للمجموعة تحت أسماء مختلفة لأتسام عملياتها بالسرية وحتى لا تقع القيادة السياسية المصرية فى حرج بالخروج على الأتفاقيات الدولية بوقف إطلاق النار عقب حرب يونيو 1967 وطلب منهم إختيار إسم خاص بالمجموعة كانوا فى ذلك الوقت قد أتموا 39 عملية ضد العدوفأتخذوا إسم المجموعة 39- قتال لهم . وعندما تعددت عملياتهم ضد مواقع العدو وأحدثوا بها دمراً كبيراً دون أن يتركوا أى أثر لهم أطلق عليهم وزير الدفاع الاسرائيلى موشيه ديان إسم الأشباح . وقد قامت المجموعة 39 خلال حرب الاستنزاف بـ 55 عملية إغارة وكمين وإستطلاع داخل سيناء ضد مواقعه ودشمه الحصينة , ومطاراته ومخازن ذخائره وتشويناته وعادوا بأول أسير إسرائيلى وكانت سيناء بأكملها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب مسرحاً لعملياتهم ..
فى عمليات تلغيم مدقات وطرق مرور مدرعات العدو بسيناء يذكر جنوده أنه بعد بعد أن ينتهى هو ومن معه من عملية التلغيم يستبقى لغمين و يختار أحد الموجودين من رجال مجموعته ليصاحبه لبث اللغمين فى العمق ، ويسيرا كثيراً للداخل وكلما يشير إليه الجندى المرافق بمكان مناسب يطلب منه الرفاعى أن يستمر معه إلى مكان أبعد حتى وصلا إلى مكان قريب جداً من أحد مواقع العدوكما يروى المقاتل محمد شاكر حتى ظن شاكر أن الجندى ببرج المراقبة قد رآهما لا سيما وقد سمع سحب كتلة الترباس لسلاح الجندى الاسرائيلى فأنبطح شاكر أرضاً وطلب من قائده أن ينخفض
فيأبى الرفاعى قائلاً :
لا أنبطح فوق أرضى أبداً .. قم يارجل
وفى حرب أكتوبر المجيدة قاد الرفاعى رجاله الأشداء فى هجمات ضد مصافى بترول العدو لحرمانه من الوقود اللازم لمدرعاته , كما نصبوا الأكمنة لأحتياطياته من القوات القادمة من الداخل , وشنوا الهجمات على مخازن ذخائره وعتاده , وقطعوا طرق إمداداته .. وعندما حدثت ثغرة الدفرسوار كلف الرفاعى مع مجموعته بمنع إنتشار قوات العدو وتكبيده أكبر خسائر حتى يكتمل تشكيل القوات المكلفة بتصفية الثغرة .
وفى فجر يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وبعد أن تناول بطلنا طعام سحوره خرج الرفاعى فى مهمة إستطلاعية لقوات العدو فى قطاعه، نسلحين بأسلحة مضلدة للدبابات للأشتباك مع العجو إذ إستلزم الأمر وخرج معه ثلاثة من مقاتلى المجموعة هم الرقيب أول مصطفى إبراهيم و العريف محمد الصادق عويس , والجندى شريف ..
إنطلقت هذه المجموعة الصغيرة فى حوالى الخامسة والنصف صباحاً .. العقيد الرفاعى يتقدم المجموعة برشاقة بأفروله المموه ، وبيده اليمنى جهاز إتصال لاسلكى , ومعلقا بعنقه نظارة ميدان , وفى جانبه الأيسر مسدسه 9 مم فى جرابه المثبت بالقايش حول وسطه .. خلفه بحوالى خطوتين يسير مصطفى بقوامه الممشوق حاملاً على كتفه الأيمن قاذفه الصاروخى السويسرى الصنع عيار 75 مم يسير به برشاقة وخفة وكأنه لايحمل شيئاً علماً بأن هذا المدفع كان تسليح سيارة مجنزرة للعدو ، وليس تسليح أفراد .. وخلفهما العريف عويس يحمل عدداً لابأس به من مقذوفات ذلك المدفع داخل صندوق والتى أمكن تدبيرها من إحدى الدول العربية التى كان لديها مثل هذا السلاح بالأضافة إلى قاذفه الآر بى جيه .. ثم الجندى شريف يسير فى الخلف لتأمين ظهر الجماعة ببندقيته الآلية فى وضع إستعداد للضرب ، ومعه عدد كبير من خزائن الطلقات ، وعلى كتفه بندقية زميله الصادق عويس ..
كانت الشبورة تغطى المكان حولهم وتحجب عنهم الرؤية فى ذلك الوقت من الصباح الباكر .. ولكن ذلك لم يعوق الرفاعى وجماعته من أداء مهمتهم رغم ما فى ذلك من خطورة عليهم لما يمكن أن يؤديه من دخولهم بين إحدى وحدات العدو دون أن يشعروا .. لكنهم رجالٌ كانوا قد عقدوا العزم على وضع أرواحهم على أكفهم وتقديمها عن طيب خاطر فى سبيل كرامة مصر وفداءاً لحرية ترابها ..
شقت المجموعة طريقها وسط حقول قرية السساتر المزروعة بالذرة والتى يبلغ طول عيدانها حوالى المتر .. وآخر حدود الزراعة سار الرجال فى خط عرضى يراقبون إنتشار قوات العدو وتجهيزاته , وكانت الشمس قد بدأت فى الشروق فبددت حرارتها الشبورة الكثيفة وأوضحت لهم الرؤية .. فحدد الرفاعى بدقة أماكن تجمعات دبابات ومدفعية ومجنزرات العدو ليتم إبلاغ قوات المجموعة بالخلف بها ليتسنى التعامل معها ..
وأثناء تحرك أبطال جماعة الإستطلاع وقع نظر العقيد الرفاعى على موقع صواريخ مصرية مضادة للطائرات من طراز سام 6 المحمولة ، وبالرغم من قربها من قوات العدو إلا أنها كانت مختفية جيداً بين الأشجار .. توجه الرفاعى مع رجاله نحو تلك القاعدة التى بدت وكأنها مهجورة ، وتأكد من سلامة الصاروخين المحمولين وصلاحيتهما للأستعمال .. فأتصل بجهاز اللاسلكى وطلب من معاونه العقيد عالى نصر سرعة إرسال سائقين من سائقى المجموعة على وجه السرعة ، وحدد له موقعه ..
وما لبثت أن أتت سيارة جيب مسرعة تحمل السائقين وعادت أدراجها مسرعة .. ولم يستغرق السائقين وقتاً طويلا فى إدارة السيارة الضخمة المحملة بالصاروخين , وحدد الرفاعى لهما أفضل طريق يسلكانه للوصول إلى قواتنا فى الخلف، وسيقوم هو ورفاقه بحماية إنسحابهم .. وبالفعل تقدمت السيارة بأقصى ماتستطيعه من سرعة ، ولكن عندما وصلت لأعلى نقطة فى الهضبة الرملية التى تفصل القوات المصرية عن قوات العدو أمكن للعدو رصد هذه الصواريخ وهى تتحرك فجن جنونه لما لهذه الصواريخ من تأثير مدمر على طائراته.. فارسل على أثرها إحدى فصائله المدرعة والمكونة من دبابتين وسيارة مجنزرة محملة بالجنود المزودين بالرشاشات والهاونات الصغيرة ، وبدأوا فى إطلاق نيرانهم على الصاروخين المصريين , وهنا بدأ بطلنا مصطفى فى إطلاق قذيفته الأولى بكل ثبات نحو الدبابة الأمامية فأحدثت بها إنفجاراً كبيراً وتوقفت عن الحركة .. دارت البابة الثانية حولها وواصلت تقدمها حامية العربة المجنزرة خلفها .. وفى تلك الأ ثناء كان البطلان مصطفى والرفاعى قد تنحيا عدة أمتار عن موقع الإطلاق الأول تحسباً لما حدث بالفعل من تركيز العدو طلقاته نحوه
وحينذِ كان الدور قد حان على الرفاعى ليشتبك مع الدبابة الثانية , وبكل شجاعة حمل القاذف على كتفه ومن خلفه مصطفى يعمره له ويربت على ظهره أن القاذف جاهز للإطلاق .. كانت الطلقات والدانات تغطى المنطقة حولهم والإنفجارات تصم الآذان .. وإستطاع الرفاعى برباطة جأشه أن يدمر الدبابة الثانية .. فتقدم مصطفى إلى موقع ثالث تبادلى , وتناول القاذف من قائده وحمله على كتفه , والرفاعى خلفه يربت على ظهره ويشير له بأصبعه فى إتجاه المجنزرة المقتربة بسرعة جنونية فى إتجاههم , وعلى البعد كانت هناك أيضاً تحركات أخرى للعدو .. وفى اللحظة التى أطلق فيها مصطفى قذيفته نحو مجنزرة العدو بينما الجندى شريف منبطحا أرضاً خلف المجموعة يؤمن ظهرها من أى إلتفاف للعدو , والعريف الصادق عويس جاثياً على ركبتيه منهمكاً فى إستخراج بعض القذائف من حقيبة الذخيرة إنفجرت بينهم وخلف الرفاعى مباشرة إحدى دانات هاونات العدو .. إنفجرت قذيفة مصطفى أمام سيارة العدو المدرعة مباشرة محدثة حفرة كبيرة , وأثارت كماً كبيراً من الأتربة والغبار ، فدارت السيارة دورة كاملة على جنزيرها وفرت مذعورة بعد أن إعتقدت إنها أمام موقع مصرى منيع وسط وابل من أسلحة جنودها لتغطية إنسحابهم .. كان كل تركيز مصطفى منصباً على قوات العدو أمامه , ولم يبالى بعنف الإنفجار الذى حدث خلفه وكاد يطيح بقاذفه من فوق كتفه و وهزّ الأرض أسفل قدميه هزاً .. ولكنه فوجئ بثقل جسم قائده الذى كان واقفاً خلفه عليه .. وضع مصطفى مدفعه جانباً , وإلتفت نحو قائده فوجده فاقد الوعى ساكن الحراك .. لم يلحظ مصطفى على قائده أثراً لأية إصابة أوبقع دماء بل على العكس وجد مصطفى فى جانبى أفروله هو الواسع و وكذلك جانب ياقته العريضة ثقوباً محترقة من اثر إختراق قطع الشظايا لها .. لم يضع مصطفى الوقت فحمل قائده على كتفه ممسكاً بيمينه جهاز اللاسلكى بهوائيه البراق , وبيساره البندقية الآلية الخاصة بالعريف عويس الذى قام هو بحمل المدفع وذخيرته .. بينما الجندى شريف يجرى خلفهم إلى أعلى تلك الهضبة فى إتجاه قواتنا وهو يطلق دفعات من بندقيته الآلية فى إتجاه مصادر نيران العدو .
وفى تلك الأثناء أتت طائرة إسرائيلية هليوكوبتر مسرعة تلاحق مصطفى ورفاقه بعد أن تأكدت من جهاز الأتصال بيده و ونظارة الميدان التى تتأرجح من عنق الرفاعى , ومسدسه بالقايش ان هذا المصاب قائد مصرى كبير .. فأقتربت من مصطفى وهى تطلق نيران رشاشاتها فى خطين مستقيمين متوازيين عن يمين ويسار مصطفى ، ثم أمامه لوقف تقدمه .. حينئذٍ جثا مصطفى على ركبة ونصف وهو لايزال يحمل قائده , وصوب طلقات بندقيته التى بيده اليسرى نحو الهليوكوبتر ، وفعل مثله الجندى شريف مما منع الطائرة من الهبوط أمامهم لأسر القائد ، وأرتفعت عالية بعيداً عن تأثير الطلقات الكثيفة ..
فى تلك الأثناء كان العقيد على نصر الرتبة الأقدم فى المجموعة يدقق النظر بمنظاره الميدانى فتأكد أن ما بدا يلوح لهم على خط الأفق هو مصطفى حاملاً الرفاعى فأعطى أمراً لأحدى السيارات الجيب بالإنطلاق بأقصى سرعة نحوهم، وبالفعل وصلت الجيب إلى مصطفى فوضع فيها قائده على عجل ، وقفز هو وزملائه بالخلف يبادلون الهليوكوبتر إطلاق النيران التى أصابت إحدى عجلات السيارة .. وهنا فتحت جميع الأسلحة بالمواقع المصرية القريبة نيرانها نحو الهليوكوبتر التى فرت مصابة تنبعث غلالة من الدخان خلفها ..
وماأن وصلت الجيب التى تحمل الرفاعى إلى مقر المجموعة وهى مائلة على جانبها الأيمن لأصابة إحدى إطارتها الخلفية حتى أمر العقيد على نصر مصطفى بالذهاب مع العقيد الرفاعى على وجه السرعة إلى مستشفى الجلاء فى سيارة اخرى سليمة .. وهناك أُدخل لحظة وصوله إلى غرفة العمليات .. فجلس مصطفى شارداً على مقعد قريب من باب الغرفة لايدرى شيئاً عما يدور حوله .. وأخذت الأفكار تدور فى رأسه كشريط سينيمائى متلاحق المشاهد .. لم يكن مصطفى يتخيل مدى جسامة إصابة قائده .. فهو منذ إرتمى بجسده فوق ظهره أثناء الإشتباك مع مجنزرات العدو وحتى وصوله إلى المستشفى لم يرى بقعة دم تغطى إى جزء من جسده .. كما أنه كان يشعر بدفء جسده أثناء حمله على كتفه ..
وكثيراً ما تعرض الرفاعى لمواقف اشد خطورة أثناء إقتحام مواقع العدو سواء فى حرب الإستنزاف أو فى العمليات العسكرية العديدة التى خاضها خلال حرب أكتوبر ونجاه الله منها .. وكانت الإصابات شئ روتينى وعادى بالنسبة لمقاتلى المجموعة ، وهل يقاس ما حدث له اليوم بإنفجار لغم فى سيارته من قبل اطاح بالسيارة ودمرها , وظل هو حياً إلا من إصابات فى جانب الرأس واليد اليمنى , ولم تمنعه تلك الإصابات من حضور حفل عقد قران مصطفى وتهنئته , وهو يلف يده اليمنى برباط شاش , وتغطى الضمادات جانباً من رأسه .. لابد وإنه الإرهاق هو الذى أفقده وعيه .. نعم فهو لم ينل ولو قدراً ضئيلاً من النوم أو الراحة خلال اليومين السابقين خلال مقاومة العدو فى الثغرة .. كما أنه أيضاً كان صائماً مع جواز الإفطار أثناء المعارك , إلا أنه كان حريصاً على واجبه تجاه خالقه جلّ وعلا .. نعم .. نعم .. لابد إنها إغماءة بسيطة سيتمكن الأطباء من إفاقته ويعود معى إلى المجموعة يقودها من جديد فى عمليات جريئة حتى تطهر الأرض من العدو .. لم يدرى مصطفى كم مضى عليه من الوقت وهذه الأفكار تدور فى رأسه ولم يخرجه منها إلا صوت المؤذن فى المسجد الملحق بالمستشفى يرفع آذان الجمعة " الله أكبّر .. الله أكبّر .. الله أكبّر.. الله أكبّر .. أشهد ألا إله إلا الله .. أشهد ألا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله .. أشهد أنّ محمداً رسول الله " ..
حينئذٍ خرج الطبيب من غرفة العمليات منكس الراس .. فهّب مصطفى واقفاً يستفسر منه بنظرات حائرة .. فبادره الطبيب قائلاً :
• البقاء لله ياإبنى .. قائدك أستشهد ..
ألجمت المفاجأة مصطفى وشلت حركته .. وبصعوبة بالغة نطق قائلاً:
• إزاى
• ياإبنى فيه شاظيتين إخترقتا الرئتين من الخلف أحدثتا بهما تهتكاً ونزيفاً داخليا حاداً .. حاولنا قدر الإمكان إنقاذ حياته لكن الحالة كانت خطيرة .. وإرادة الله نفذت .. إحتسبه شهيداً عند الله ..
فقد قام الرفاعى ورجاله بوقف تقدم العدو نحو الاسماعيلية حتى أصيب ولاقى ربه .. وتحققت نبؤة قائده ومعلمه جلال هريدى مؤسس سلاح الصاعقة بمصر والذى كان شاهداً على نبوغه وتفوقه عندما قال له : يا إبنى إنت حا تموت شهيد .
أحبه كل من عمل إلى جواره فكان لهم بمثابة الأخ الأكبر ، الذى جمع بين حنان وعطف الوالد وخوفه وقسوته أحياناً على أبنائه فكان من نمط القادة الذى يبدو هادئ الملامح ، دائم الابتسام ، ضاحك العينين ، سمح القسمات وهى صورة لاتعبر عن حقيقة الغليان والغضب المتفجر فى أعماقه والتى تظهر جلية فى ميدان القتال عندما يصب حمم نيرانه على مواقع العدو بضراوة وشراسة وعنف .. ومع كل هذا العنف فإنه كان يحمل فى قلبه حباً لكل الرجال الذين يعملون معه يهتم بكل أمورهم ، يتابع حياتهم الخاصة وييسر لهم كل مشاكلهم الخاصة التى يتعرضون لها ، مجاملاً لهم إلى أبعد الحدود ، وعندما يضطر يكون قاسياً معهم لا يقبل الخطأ ولا يتسامح فيه .. فالخطأ فى الميدان ثمنه حياة فرد أو أفراد .. ثمنه فشل الخطة .
كان مريضاً بقرحة فى المعدة ، وكان هناك إلحاحاً ليسافر للعلاج ليبرأ من آلامه .. وكان يرفض وكانت إجابته الوحيدة :
• مصر جريحة ، وتحتاج إلى العلاج ، وخير من يعالجها هم أبناؤها .. وبعدها يمكنهم أن يبحثوا عن علاج لأنفسهم .
وأثناء العمليات عندما تشتد آلامه أثناء الجو العاصف كان يتم حقنه بحقنة مسكنة يحتفظ بها لهذا الغرض .
كان زاهداً فى الدنيا غير ساعياً لمتاعها ، وعندما كان يسأله أحد المقربين: منه ألست بشراُ مثلنا !!؟
كان جوابه قول الله تعالى : " قل متاع الدنيا قليل" .
وما من أحد مما تعاملوا معه ، أو تحدثوا معه حديثاُ عابراً إلا وترك لديه إنطباعاً لم تمحه الأيام سواء فى حياته أو بعد إستشهاده .
فتحية إعزاز وتقدير لهذا البطل الشجاع الذى تعجز الكلمات عن إعطاءه ما يستحق من تقدير .
ما حصل عليه الرفاعى من أنواط ونياشين:-
1-نوط الشجاعة العسكرى فى 9/3/1960 .
2- نوط الشجاعة العسكرى فى 27/1/1968.
3- ميدالية الترقية الاستثنائية فى 1/6/1965 .
4- وسام النجمة العسكرية فى 5/10/1968 .
5-وسام النجمة العسكرية فى 23/10/1969.
6-وسام النجمة العسكرية فى 18/12/1969 .
7-نوط الواجب العسكرى فى 17/4/1971 .
8-وسام نجمة الشرف العسكرية فى 18/8/1971 .
9-وسام نجمة سيناء فى 19/2/1974
10-وسام الشجاعة الليبى فى 19/2/1974 .
ويعد ما حصل عليه الرفاعى من النياشين والأنواط والأوسمة لهو أكبر عدد يحصل عليه ضابط مصري.
وهذا اقتباس سريع من كتاب الأشباح، للكاتب:أحمد علي عطية
أسد الصاعقة المصرية
إبراهيم الرفاعى :.
الشهيد عميد أركان حرب/ إبراهيم السيد محمد ابراهيم الرفاعي ( 1931م – 1973م ) قائد عسكري في الجيش المصري، كان قائد المجموعة 39 قتال صاعقة خاصة ابان حرب اكتوبر المجيدة واستشهد فيها يوم الجمعة 19 أكتوبر 1973- 23 رمضان 1393 بعد أن ضرب المثل في الفدائية والشجاعة في القتال.
نشأته :.
من مواليد قرية الخلالة - مركز بلقاس بمحافظة الدقهلية فى 27 يونيو 1931م , وقد ورث عن جده والد والدته (الأميرالاى) عبد الوهاب لبيب التقاليد العسكرية والرغبة في التضحية فداءً للوطن، كما كان لنشأته وسط أسرة تتمسك بالقيم الدينية أكبر الأثر على ثقافته وأخلاقه.
البداية :.
التحق إبراهيم بالكلية الحربية عام 1951 وتخرج عام 1954 , وانضم عقب تخرجه إلى سلاح المشاة وكان ضمن أول فرقة قوات الصاعقة المصرية في منطقة (أبو عجيلة) ولفت الأنظار بشدة خلال مراحل التدريب لشجاعته وجرأته منقطعة النظير.
تم تعيينه مدرساً بمدرسة الصاعقة وشارك في بناء أول قوة للصاعقة المصرية وعندما وقع العدوان الثلاثى على مصر 1956 شارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد يمكن القول أن معارك بورسعيد من أهم مراحل حياة البطل إبراهيم الرفاعي، إذ عرف مكانه تماما في القتال خلف خطوط العدو، وقد كان لدى البطل اقتناع تام بأنه لن يستطيع أن يتقدم مالم يتعلم فواصل السير على طريق اكتساب الخبرات وتنمية إمكاناته فالتحق بفرقة 'بمدرسة المظلات' ثم انتقل لقيادة وحدات الصاعقة للعمل كرئيس عمليات.
الترقية والقيادة :.
اتت حرب اليمن لتزيد خبرات ومهارات البطل أضعافا، ويتولى خلالها منصب قائد كتيبة صاعقة بفضل مجهوده والدور الكبير الذي قام به خلال المعارك، حتى أن التقارير التي أعقبت الحرب ذكرت أنه ضابط مقاتل من الطراز الأول، جرئ وشجاع ويعتمد عليه، يميل إلى التشبث برأيه، محارب ينتظره مستقبل باهر. خلال عام 1965 صدر قرار بترقيته ترقية أستثنائية تقديرًا للإعمال البطولية التي قام بها في الميدان اليمنى.
بعد معارك 1967 وفي يوم 5 أغسطس 1968 بدأت قيادة القوات المسلحة في تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة في سيناء، باسم فرع العمليات الخاصة التابعة للمخابرات الحربية والأستطلاع كمحاولة من القيادة لإستعادة القوات المسلحة ثقتها بنفسها والقضاء على إحساس العدو الإسرائيلي بالإمن، وبأمر من مدير إدارة المخابرات الحربية اللواء محمد أحمد صادق وقع الاختيار على البطل / إبراهيم الرفاعي لقيادة هذه المجموعة، فبدأ على الفور في اختيار العناصر الصالحة.
اول العمليات المرعبة :.
كانت أول عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو عن 'الشيخ زويد' ثم نسف 'مخازن الذخيرة' التي تركتها قواتنا عند أنسحابها من معارك 1967 ، وبعد هاتين العمليتين الناجحتين، وصل لإبراهيم خطاب شكر من وزير الحربية على المجهود الذي يبذله في قيادة المجموعة.
مع الوقت كبرت المجموعة التي يقودها البطل وصار الانضمام إليها شرفا يسعى إليه الكثيرون من أبناء القوات المسلحة، وزادت العمليات الناجحة ووطأت أقدام جنود المجموعة الباسلة مناطق كثيرة داخل سيناء، فصار أختيار اسم لهذه المجموعة أمر ضرورى، وبالفعل أُطلق على المجموعة اسم المجموعة 39 قتال وذلك من يوم 25 يوليو 1969 وأختار الشهيد البطل إبراهيم الرفاعي شعار رأس النمر كرمز للمجموعة، وهو نفس الشعار الذي اتخذه الشهيد احمد عبد العزيز خلال معارك 1948 .
كانت نيران المجموعة أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة 1967 , وأصبحت عملياتها مصدرًا للرعب والهول والدمار على العدو الإسرائيلي أفرادًا ومعدات، ومع نهاية كل عملية كان إبراهيم يبدو سعيدًا كالعصفور تواقا لعملية جديدة، يبث بها الرعب في نفوس العدو. فقد نسف مع مجموعته قطارا ً للجنود والضباط الاسرائليين عند منطقة الشيخ زويد .
وبعدها صدر قرار من القيادة المصرية بنسف مخازن الذخيرة التي خلفتها القوات المصرية إبان الانسحاب.. وكان نجاح هذه العملية ضربا ً من الخيال بل كان نوعا ً من المستحيل.. ولكن الرفاعي ورجاله تمكنوا من الوصول إليها وتفجيرها حتى إن النيران ظلت مشتعلة في تلك المخازن ثلاثة أيام كاملة.
وفي مطلع عام 1968 نشرت إسرائيل مجموعة من صواريخ أرض – أرض لإجهاض أي عملية بناء للقوات المصرية.. وعلي الرغم من أن إسرائيل كانت متشددة في إخفاء هذه الصواريخ بكل وسائل التمويه والخداع.. إلا أن وحدات الاستطلاع كشفت العديد منها علي طول خط المواجهة.
ولم يكن الفريق أول عبد المنعم رياض في هذه الأثناء يعرف طعم للنوم أو الراحة أو التأجيل أو الاسترخاء في معركته التي بدأها من أجل إعادة بناء القوات المسلحة المصرية.. فأرسل علي الفور إلي المقاتل الثائر إبراهيم الرفاعي.. وكان الطلب "إسرائيل نشرت صواريخ في الضفة الشرقية.. عايزين منها صواريخ يا رفاعي بأي ثمن لمعرفة مدي تأثيرها علي الأفراد والمعدات في حالة استخدامها ضد جنودنا".
انتهت كلمات رئيس الأركان.. وتحول الرفاعي إلي جمرة من اللهب.. فقد كان يعشق المخاطر ويهوى ركوب الأخطار.. ولم تمض سوي أيام قلائل لم ينم خلالها إبراهيم الرفاعي ورجاله.. فبالقدر الذي أحكموا به التخطيط أحكموا به التنفيذ.. فلم يكن الرفاعي يترك شيئا ً للصدفة أو يسمح بمساحة للفشل.
فكان النجاح المذهل في العملية المدهشة فعبر برجاله قناة السويس وبأسلوب الرفاعي السريع الصاعق أستطاع أن يعود وليس بصاروخ واحد وإنما بثلاثة صواريخ..
وأحدثت هذه العملية دويا ً هائلا ً في الأوساط المصرية والإسرائيلية علي حد سواء حتى تم على إثرها عزل القائد الإسرائيلي المسؤول عن قواعد الصواريخ.
ووصف الجنرال الذهبى عبد المنعم رياض هذه العملية بقوله (كانت من المهام الخطيرة في الحروب.. ومن العمليات البارزة أيضاً التي ارتبطت باسم الرفاعي عندما عبر خلف خطوط العدو في جنح الليل.. ونجح في أسر جندي إسرائيلي عاد به إلي غرب القناة". كان هذا الأسير هو الملازم داني شمعون.. بطل الجيش الإسرائيلي في المصارعة ولكن الرفاعي أخذه من أحضان جيشه إلي قلب القاهرة دون خدش واحد.
وتتوالي عمليات الرفاعي الناجحة حتى أحدثت رأيا عاماً مصرياً مفاده "أن في قدره القوات المصرية العبور وإحداث أضرار في الجيش الإسرائيلي".. بل إنها دبت الرعب في نفوس الاسرائليين حتى أطلقوا علي الرفاعي ورجاله مجموعة الأشباح.
وصبيحة استشهاد الفريق عبد المنعم رياض طلب عبد الناصر القيام برد فعل سريع وقوي ومدوي حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري باستشهاد قائده.. فعبر الرفاعي القناة واحتل برجاله موقع المعدية 6.. الذي أطلقت منه القذائف التي كانت سبباً في استشهاد الفريق رياض.. وأباد كل من كان في الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عنصرا ً إسرائيليا ً..
حتي أن إسرائيل من هول هذه العملية وضخامتها تقدمت باحتجاج إلي مجلس الأمن فى 9 مارس 1969 . يفيد أن جنودهم تم قتلهم بوحشية.. ولم يكتف الرفاعي بذلك بل رفع العلم المصري علي حطام المعدية 6.. بعد تدميرها وكان هذا العلم يرفرف لأول مره علي القطاع المحتل منذ 67.. ويبقي مرفوعاً قرابة الثلاثة أشهر.
صرخات العدو :.
تناقلت أخباره ومجموعته الرهيبة وحدات القوات المسلحة، لم يكن عبوره هو الخبر أنما عودته دائما ما كانت المفاجأة، فبعد كل إغارة ناجحة لمجموعته تلتقط أجهزة التصنت المصرية صرخات العدو وأستغاثات جنوده، وفي إحدى المرات أثناء عودته من إغارة جديدة قدم له ضابط مخابرات هدية عبارة عن شريط تسجيل ممتلئ باستغاثات العدو وصرخات جنوده كالنساء.
أصوات السلام :.
مع حلول أغسطس عام 1970 بدأت الأصوات ترتفع في مناطق كثيرة من العالم منادية بالسلام بينما يضع الرفاعي برامج جديدة للتدريب ويرسم خططا للهجوم، كانوا يتحدثون عن السلام ويستعد هو برجاله للحرب، كان يؤكد أن الطريق الوحيد لإستعادة الأرض والكرامة هو القتال، كان على يقين بإن المعركة قادمة وعليه أعداد رجاله في انتظار المعركة المرتقبة.
صدق حدس الشهيد وبدأت معركة السادس من أكتوبر المجيدة، ومع الضربة الجوية الأولى وصيحات الله أكبر، أنطلقت كتيبة الصاعقة التي يقودها البطل في ثلاث طائرات هليكوبتر لتدمير آبار البترول في منطقة بلاعيم شرق القناة لحرمان العدو من الاستفادة منها وينجح الرجال في تنفيذ المهمة.
تتوالى العمليات :.
وتتوالى عمليات المجموعة الناجحة ففي السابع من أكتوبر تُغير المجموعة على مواقع العدو الإسرائيلي بمنطقتى شرم الشيخ و رأس محمد وفي السابع من أكتوبر تنجح المجموعة في الإغارة على مطار (الطور) وتدمير بعض الطائرات الرابضة به مما أصاب القيادة الإسرائيلية بالارتباك من سرعة ودقة الضربات المتتالية لرجال الصاعقة المصرية البواسل.
في الثامن عشر من أكتوبر تم تكليف مجموعة البطل بمهمة اختراق مواقع العدو غرب القناة والوصول إلى منطقة (الدفرسوار) لتدمير المعبر الذي أقامه العدو لعبور قواته، وبالفعل تصل المجموعة فجر التاسع عشر من أكتوبر في نفس الوقت الذي تتغير فيه التعليمات إلى تدمير قوات العدو ومدرعاته ومنعها من التقدم في إتجاه طريق الإسماعيلية / القاهرة.
وعلى ضوء التطورات الجديدة يبدأ البطل في التحرك بفرقته، فيصل إلى منطقة (نفيشه) في صباح اليوم التالى، ثم جسر (المحسمة) حيث قسم قواته إلى ثلاث مجموعات، أحتلت مجموعتين إحدى التباب وكانت تكليفات المجموعة الثالثة تنظيم مجموعة من الكمائن على طول الطريق من جسر (المحسمة) إلى قرية (نفيشه) لتحقيق الشق الدفاعي لمواقعها الجديدة. وما وصلت مدرعات العدو حتى أنهالت عليها قذائف الـ ( ار-بى-جى) لتثنيه عن التقدم، ويرفض بطلنا / إبراهيم الرفاعي هذا النصر السريع ويأمر رجاله بمطاردة مدرعات العدو لتكبيده أكبر الخسائر في الأرواح والمعدات.
الثغرة واستشهاد الاسد الرفاعى :.
يحكي أبو الحسن قصة الثغرة واستشهاد الشهيد العميد إبراهيم الرفاعي فيقول : كنا بعد كل عملية كأننا نولد من جديد فكنا ننزل في أجازة ولكن بعد الثغرة عدنا إلي مقرنا وتوقعنا أن نحصل علي أجازة ولكننا وجدنا الرفاعي وقد سبقنا وفوجئنا أن هناك سلاح تم صرفه لنا وكله مضاد للدبابات وكانت الأوامر أن نحمل السلاح علي السيارات ونعود مرة أخرى إلي الإسماعيلية ودخلنا الإسماعيلية ورأينا الأهوال مما كان يفعله الإسرائيليين بجنودنا من الذبح وفتح البطون والعبور فوق الجثث بالدبابات، وكان العائدون من الثغرة يسألوننا أنتم رايحين فين وكنا نسأل أنفسنا هذا السؤال وكنت أجلس في آخر سيارة وكانت سيارة (الذخيرة) وكان ذلك خطر لأن أي كمين يقوم بالتركيز علي أول سيارة وآخر سيارة، ورأي أحد السائقين 3 مواسير دبابات إسرائيلية تختفي وراء تبة رمال وكانوا ينتظروننا بعد أن رأونا وكنا متجهين لمطار فايد، وأبلغنا السائق باللاسلكي وصدرت الأوامر بالتراجع فنزلت من السيارة بسرعة لأننا كنا نسير فوق (مدق) وحوله رمال وكان الإسرائيليون يزرعون الألغام بتلك الرمال فحاولت توجيه السائق حتى لا ينزل إلي الرمال وهو يدور بالسيارة ولكن السائق رجع بظهره بسرعة ووراؤه بقية السيارات وعدنا للإسماعيلية وجاء أمر لنا بأن نعود لفايد مرة أخرى فعدنا وودعنا بعضنا قبل الدخول لأننا أيقننا أن داخلين علي الموت ودخلت السيارات تحت الشجر وترجلنا ومعنا أسلحتنا وقررنا أن نفعل شيء ذو قيمة قبل أن نموت وفوجئ اليهود بما ليس في بالهم وبدأنا في التدمير و(هجنا هياج الموت) وصعد أربعة منا فوق قواعد الصواريخ وكان الرفاعي من ضمننا وبدأنا في ضرب دبابات العدو وبدؤوا هم يبحثوا عن قائدنا حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاثة أجهزة اتصال فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية ورأيناهم فقفزت من فوق قاعدة الصواريخ وقفز زملائي ولم يقفز الرفاعي وحاولت أن أسحب يده ليقفز ولكنه (زغدني) ورفض أن يقفز وظل يضرب في الإسرائيليين حتى أصابته شظية فأنزلناه وطلبنا أن تحضر لنا سيارة عن طريق اللاسلكي وكنا نشك أن أي سائق سيحضر ولكن سائق اسمه سليم حضر بسرعة بالسيارة ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال فنزل السائق وزميله لدفعها وقدتها ودارت السيارة ولم أتوقف حتى يركبوا معي من شدة الضرب الموجه لنا فتعلقوا في السيارة وسحبتهم ورائي، وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاء ذا لون مختلف عن بقية المجموعة وعندما رأي زملاؤنا حذاؤه أبلغوا باللاسلكي أن الرفاعي أصيب وسمعهم اليهود وعرفوا الخبر وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بالمناسبة وذهبنا به لمستشفي الجلاء وحضر الطبيب وكانت الدماء تملأ صدره وقال لنا (أدخلوا أبوكم) فأدخلناه غرفة العمليات ورفضنا أن نخرج فنهرنا الطبيب فطلبنا منه أن ننظر إليه قبل أن نخرج فقال أمامكم دقيقة واحدة فدخلنا إليه وقبلته في جبهته وأخذت مسدسه ومفاتيحه ومحفظته ولم نستطع أن نتماسك لأننا علمنا أن الرفاعي استشهد وكان يوم جمعة يوم 23 رمضان وكان صائماً فقد كان رحمة الله يأمرنا بالإفطار ويرفض أن يفطر وقد تسلمنا جثته بعد ثلاثة أيام وفي حياتنا لم نر ميت يظل جسمه دافئاً بعد وفاته بثلاثة أيام وتنبعث منه رائحة المسك.. رحمة الله.
ليس الاول ولن يكون الاخر , لكن من العيب ان يكون عندنا امثال إبراهيم الرفاعى وغيره من الابطال ولانعرف عنهم شئ مع ان معظم الناس تعرف عن لاعبى كرة القدم وابطال والت ديزنى كل شئ تقريباً ولا نعرف اى شئ عن الابطال بحق , هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم من اجل الدين والوطن والاهل , ضحوا من ان نعيش نحن حريتنا اليوم غرسوا البذور ونحن نجنى الثمار ولا نعرف من هو الذى غرس البذور حتى , يجب ان يكون امثال الاسد إبراهيم الرفاعى نبراساً لنا فى حب الوطن والتضحية من اجله بكل غالى وثمين .