منذ أن عرف الانسان السينما فى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر 1895، كان هناك نوعان متمايزان من الافلام، شاع الاتفاق على تسمية أحدهما بأسم " الافلام الروائية"، وهى الافلام التى تقوم على قصة خيالية، ويقوم فيها الممثل بدور أساسى، والممثل هو من يؤدى دورا لشخصية غير شخصيته الحقيقية. أما النوع الاخر من الافلام فرغم تمايزة عن الافلام الروائية الا أن الخلاف شاع حول تسميته.
كان جون جريرسون المفكر السينمائى وأحد رواد هذا النوع، هو أول من أطلق عليه تعبير Documentary Film" ". وكان سعد نديم أحد رواد نفس هذا النوع فى السينما المصرية، أول من ترجم هذا التعبير بالعربية إلى " الفيلم التسجيلى"، على أساس أن تسجيل الواقع هو سمه هذا النوع، وأنتشر التعبير فى الادبيات المصرية. وعندما تأسس فى مصر مثلا مركز لإنتاج هذة الافلام أطلق عليه " المركز القومى للأفلام التسجيلية والقصيرة". وهناك أيضا "مهرجان الاسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة" الذى يواصل دوراته حتى الآن بهذة التسمية امتداد للمهرجان القومى للأفلام التسجيلية الذى بدأ 1970. وآخر الكتب التى صدرت منذ عامين عن تاريخ هذة الافلام يحمل عنوان " السينما التسجيلية فى الوطن العربى"، تأليف أحد أعمدة السينما التسجيلية المصرية محمود سامى عطا الله.
غير أن أبناء المشرق العربى يفضلون ترجمة المصطلح بعبارة " الفيلم الوثائقى". ولعلهم فى ذلك يرون أن سمة التسجيلية لا تقتصر عليه وحده حيث أن الفيلم الروائى لا يمثل عرضا حيا وانما يتم عرض أحداثه بعد تسجيلها على شريط، فهو فيلم مسجل أيضا. وأنتشر مصطلح الوثائقى وبات يغزو الأدبيات العربية عامة، وخصوصاً بعد ظهور القناة الفضائية " قناة الجزيرة الوثائقية".
ولعل أرتباط هذا النوع بالوثائقية يرجع إلى إعتمادة على تصوير الواقع باعتبارة وثيقة حيه على صدق القضية التى يطرحها، فضلا عن أستخدام الوثائق المعترف بها، غير أن الفيلم الروائى الآن لا يقل أهمية فى نظر بعض المؤرخين بأعتبارة وثيقة فنية للمرحلة التى أنتج فيها.
وهكذا يتبين لنا مدى تعقيد إشكالية المصطلح لهذا النوع من الافلام، الذى أطلق عليه أيضا فيما سبق " أفلام المعرفة" على أساس أن هدفه الاساسى هو المعرفة التى تميزه عن الافلام الروائية التى هدفها الاساسى هو الترفيه أو التسلية. ولكن لم يعد هدف كل الافلام الروائية هو التسلية، وهناك من الافلام ما يرقى إلى مستوى الرؤى الفكرية، وتتميز بالابداع الذى يتجاوز مجرد التسلية.
ولم تقتصر إشكالية تحديد المصطلح لهذا النوع من الافلام على الثقافة العربية وحدها، وانما نجدها أيضا فى الثقافة الغربية، فهناك من يرون قصورا فى تسمية " Documentary Film"" ، ويفضلون " Non-fiction film". وقد نترجم هذا المصطلح " الفيلم غير الخيالى" ولكنى أفضل ترجمتة " الفيلم غير القصصى" أو " الفيلم غير الروائى" حتى لا نستبعد إعمال الخيال فى نوعية هذة الافلام التى نطلق عليها تسجيلية أو وثائقية أو معرفية.
ويبدو أن بعض الفرنسيين قد يئسوا من هذا التقسيم بين نوعى الافلام فوجدناهم يجمعون بينها دون تمييز. وفصلوا بين الافلام عامة على أساس الطول الزمنى الى ما هو طويل " long met rage" وماهو قصير " curt met rage:" . وفى كل ذلك ما يكشف لنا عن صعوبة أشكالية مصطلح لهذا النوع.
ترجع إشكالية تحديد المصطلح فى الاصل إلى أشكالية التعريف لهذا النوع من الافلام. وقد سبق أن شاع بين السينمائين التعريف الذى طرحه جريرسون فى بداية القرن الماضى، ويذهب إلى أن الفيلم التسجيلى/ الوثائقى هو الفيلم الذى يصور الواقع بطريقة ابداعية. ولكن ماذا نقول عن الفيلم الروائى " بوتمكن" مثلا لأستاذ السينما أيزنشتين، غير أنه تصوير للواقع بطريقة ابداعية ؟!. وكذلك غيرة من أفلام روائية وخاصة أفلام المدرسة الواقعية. ومن ثم فهو تعريف غير مانع لدخول أصناف أخرى، ما يفقد مواصفات التعريف المنطقى الجامع المانع، أى يجمع بين كل أفراد النوع ويمنع غيرها من الدخول فيه.
والواقع أنه من الصعب الوصول إلى هذا التعريف المنطقى " الجامع المانع" للفيلم التسجيلى/ الوثائقى. ولكن من الممكن التوصل إلى تحديده من خلال المقابلة بين مواصفاته ومواصفات الفيلم الروائى. وعلى ذلك نرى أن الفيلم التسجيلى/ الوثائقى هو الفيلم الذى لا يعتمد على قصة خيالية يكتبها مؤلف من بين بنات أفكاره، كما الفيلم الروائى، وانما يعتمد على تصوير أحداث الواقع المباشر الذى يجعل منه موضوعا أو قصة.
ولا يوجد ممثل فى الفيلم التسجيلى/ الوثائقى، كما هو الحال بالنسبة للفيلم الروائى الذى يعتمد عليه اعتمادا أساسيا وجوهريا، ومن أجل إبراز دورالممثل توظف جميع العناصر السينمائية. والممثل هو من يؤدى دورا لشخصية غير شخصيته الحقيقية. بينما من نراه فى الفيلم التسجيلى الوثائقى من شخصيات هى الشخصيات الواقعية الحقيقية.
ولا يلجأ الفيلم التسجيلى / الوثائقى إلى حوار مكتوب تلتزم به شخصياتة كما فى الفيلم االروائى، وانما يعتمد اساسا على التعليق وأن أدخل الحوار والمقابلات الشخصية فيما بعد أحيانا. والحوار فيه يكون حوارا تلقائيا يتم تسجيله مباشرة بين اصحابه الطبيعيين فى الواقع.
والديكور فى الفيلم التسجيلى/ الوثائقى الذى تتحرك داخله الشخصيات هو المكان الواقعى الذى يجرى فيه الحدث فى البر أو البحر، فى القرية أو المدينة، داخل أماكن مغلقة أو مفتوحه، وذلك على خلاف الديكور فى الفيلم الروائى الذى يتم اصطناعة داخل البلاتوه أو داخل الاستديو عامة.
ويبقى الهدف هو من أهم ما يميز النوعين عن بعضهما، حيث يختص هدف الفيلم الروائى بالتسلية والترفيه عامة، وإثارة نوع من المتعه الفنية الخاصه به وأن كان هذا لا يمنع من وجود المعرفة والتنوير، بينما على العكس يكون هدف الفيلم التسجيلى الوثائقى هو المعرفة والتنوير، وأن كان هذا لا يمنع من وجود المتعة الفنية الخاصة به. وكل من المتعة الفنية للفيلم الروائى ومثيلتها فى الفيلم التسجيلى الوثائقى لها ذائقتها الخاصة.