صبي نمساوي ظهرت علامات نبوغه منذ أن كان تلميذا بالمدرسة الثانوية، و لم تقتصر اهتماماته بمجالات العلوم فقط وإنما شملت أيضا القواعد اللغوية القديمة والشعر الألماني ، وساهم في وضع الأساس العلمي لميكانيكا الكم الموجية، ونال جائزة نوبل مناصفة مع العالم البريطاني "بول ديراك" Paul Dirac)) عام 1933 لاكتشافهما أشكالا جديدة من النظرية الذرية .
إنه عالم الفيزياء "أرفين رادولف شرودنجر" (Erwin Rudolf Schrödinger)، والذي ولد في 12 أغسطس عام 1887 في العاصمة النمساوية فيينا، وبدأ "شرودنجر" رحلته في عالم الفيزياء عندما ألتحق بجامعة فيينا في النمسا لدراسة الفيزياء النظرية عام 1906، وتتلمذ علي يد العالم "فريتز هازينهور" ((Fritz Hasenöhr وأكن له الكثير من الإعجاب ، و في عام 1910 نال درجة الدكتوراه في موضوع توصيل الكهرباء على الأسطح العازلة في الهواء الرطب.
بعد ذلك حصل على وظيفة باحث في معهد الفيزياء بجامعة فيينا ، ونشرت أول أبحاثه في عام 1914 منطلقا من الأبحاث التي أجراها عالم الفيزياء الشهير"بولتزمان" (Boltzmann). و في أثناء الحرب العالمية الأولى خدم "شرودنجر" في سلاح المدفعية، بالرغم من ذلك لم تمنعه الخدمة العسكرية من مزاولة أبحاثه العلمية و نشر بالفعل أبحاثاً علمية في هذه الفترة.
بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى تنقل "شرودنجر" بين عدة جامعات ألمانية عقب تدهور الوضع الاقتصادي في النمسا عام 1920 حيث شغل عدة مناصب أكاديمية في عدد من الجامعات الألمانية مثل "جينا" (Jena)، و"شتوتجارت" ((Stuttgart ثم "بريسلو" (Breslau)، وفي عام 1921 انتقل إلى جامعة "زيوريخ" (Zürich) السويسرية حيث استقر بها لمدة 6 سنوات. وتعتبر الفترة التي قضاها "شرودنجر" في "زيورخ" هي أكثر الفترات غزارة في إنتاجه العلمي والبحثي. وخلال فترة تنقله بين الجامعات أبدى "شرودنجر" اهتماما خاصا بالفيزياء النظرية،والإحصاء الكمية، والديناميكا الحرارية، وميكانيكا الكم ، وفسيولوجيا البصريات وبخاصة نظريات رؤية الألوان.
كانت الأبحاث العلمية التي قام بها "لويس دي براولي" (Louis de Broglie) في عام 1924، و التي رأى من خلالها أن الجسيمات الأولية لها طبيعة مزدوجة (جسيم وموجة)، هي الركيزة الأساسية في أبحاث "شرودنجر". بالإضافة إلى ذلك شكلت الأبحاث التي قام بها علماء آخرون مثل "ماكس بلانك" (Max Planck)، و "آينشتين" (Einstein) ، و"هايزنبرج" (Heisenberg) أهمية في تقديم "شرودنجر" لاكتشافه الكبير في مجال ميكانيكا الكم. ويطلق لفظ ميكانيكا الكم على أحد النظريّات الفيزيائية التي جاءت كتعميم وتطوير لنظريات نيوتن الكلاسيكية ودمجها بالحركة الموجية وخاصة على المستوى الذري ودون الذري، وتعرض ميكانيكا الكم وصفاً رياضيا للطبيعة المزدوجة في المادة و الطاقة، والعلاقة المتبادلة بينهما.
وبحلول النصف الأول من عام 1926 نشرت سلسلة أبحاث شرودنجر الثورية في الميكانيكا الموجية ؛ تضمنت وصفا لمعادلة التفاضل الجزئي التي اعتبرت أساسا لميكانيكا الكم الموجية فيما يعرف بمعادلة الموجات أو كما يطلق عليها اسم معادلة شرودنجر للموجات، التي تصف حركة الموجات في النظم الكمية مثل حركة الإلكترون داخل الذرة.
وباستخدام هذه المعادلة يمكن التنبؤ باحتمال وجود الإلكترون في مكان معين في زمن معين باستخدام ما يعرف بالدالة الموجية. وبتطبيق الدالة الموجية على ذرة الهيدروجين حصل "شرودنجر" على نفس النتائج التي حصل عليها "نيلس بور" (Niels Bohr) عن تركيب ذرة الهيدروجين ومستويات الطاقة.
وفي عام 1927 انتقل "شرودنجر" إلى جامعة برلين في العاصمة الألمانية ، كخليفة للعالم "ماكس بلانك" (Planck Max) مؤسس فرضية الكم بعد مغادرته للجامعة؛ و بذلك انضم إلى إحدى الكليات المرموقة وأصبح زميلا لـ "ألبرت اينشتين" (Albert Einstein) وكانت مدينة برلين في ذلك الحين مركزاً لامعا للأبحاث العلمية المتميزة.
إضافة إلى إسهاماته الفيزيائية المتعلقة بالكهرومغناطيسية وغيرها، استحوذت فلسفة نشأة الكون على قدر كبير من اهتمامه وظهر ذلك في عدد من مؤلفاته ككتاب "ما هي الحياة" (What is life) الذي تناول فيه التركيب الجيني وساهم في تطوير علم البيولوجيا الجزيئية مما جعله مرجعا هاما في علم الأحياء، أما كتابه "نظرتي للكون" (My view of the world) فكان متمركزا حول رؤيته الميتافيزيقية للكون.
وفي عام 1933 رحل "شرودنجر" عن ألمانيا وانطلق في رحلة إلى عدة جامعات في بريطانيا، والنمسا، وإيطاليا وبلجيكا وذلك بعد تولى هتلر السلطة وسيطرة النظام النازي، فشعر"شرودنجر" بالاستياء من الممارسات العنصرية ضد اليهود على الرغم من كونه مسيحيا كاثوليكيا.
و في عام 1939 استقر أخيرا في معهد الدراسات المتقدمة في مدينة "دبلن" (Dublin) بأيرلندا وشغل هناك منصب مديراً لكلية الفيزياء النظرية و بقى هناك حتى تقاعده في عام 1956. ثم عاد إلى فيينا ومُنح درجة أستاذاً شرفيا. وبعد صراع طويل مع المرض توفى "شرودنجر" في 4 يناير من عام 1961. وتقديرا لدوره أُنشئ بالعاصمة النمساوية فيينا معهدا يحمل اسمه تحت عنوان معهد "أرفين شرودنجر الدولي للفيزياء الرياضية".
الاسهامات :
• مؤسس نظرية الكم الموجية التي تعد أساسا لميكانيكا الكم.
• أكد التصور الذي وضعه "بور" عن مستويات الطاقة في ذرة الهيدروجين.
• ساهم في تطوير علم البيولوجيا الجزيئية من خلال كتابه (what is life)
إصدارات العالم :
• كتاب العلوم ومزاج الإنسان Science and the Human Temperament(1935) وهو مجموعة من محاضراته المشهورة باللغة الألمانية و التي ترجمها "جيمس ميرفي" (James Murphy).
• كتاب ما هي الحياة what is life? (1944)
• كتاب إحصاء الديناميكا الحرارية Statistical Thermodynamics (1946)
• كتاب (1949)Gedichte ويحتوى أبيات شعرية من تأليفه.
• كتاب تركيب الزمن و الوقت Space-time structure (1950) وهو مجموعة من محاضراته.
• كتاب الطبيعة و الإغريق Nature and the Greeks (1954)
• كتاب العقل و المادة Mind and Matter (1958)
• كتاب نظرتي للكون My view of the world (1960). كتب هذا الكتاب في جزئين الأول في عام 1925 و الثاني في عام 1960 و نشر الجزأين معا في 1960.
• بالإضافة إلى كم هائل من الأبحاث العلمية المنشورة
المناصب التى تولاها :
• أستاذ بجامعة برلين، ألمانيا
• أستاذ بجامعة أكسفورد، انجلترا
• أستاذ بجامعة جراتس، النمسا
• مدير كلية الفيزياء النظرية- معهد الدراسات المتقدمة ، دبلن، ايرلندا
• أستاذ شرفي بجامعة فينا
الجوائز الحاصل عليها :
• جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933