مستوى
العذاب لا يمكن قياسه مهما حاول أهل العشق وصفه بأقوى الكلمات، فهو يزداد كلما
إزداد لهيب الشوق حتى وإن كان هذا الشوق به لذة توهج المشاعر الكامنة في قلب
المُحب.. فهو عذاب يختزل الراحة في التفكير ويسرق ابسط غفوة نوم من قلق الشوق
ويرهق القلب في النبض الممتلئ بالحب ويكسر أي إبتسامة بحزن الندم على إختيار
البعد، فهو أصعب أنواع العذاب لدى العاشقين الذي يعجز أكثر الأدباء فصاحة في
العثور على كلمات توازي حجمه، ولكن القسوة التي تسوده هو أن يكون القلب هو من
إختار بإرادته فراق حبيبه بل والأدهى أن يكون أجبره على الفراق وهو لم يكن يعلم
مدى العذاب الذي سيلاقيه نتاج نار الفراق التي ألقى حبيبه بها وهو لم يدرك أنه أول
من سيحرق بها، ولكن ما فائدة الحسرة والندم على فعل متسرع قد صدر حكمه على أيام
الفراق التي تمر على الحبيبين كسنين بطيئة.. ولكن ما هو الدواء الذي يشفي جرح
صنعته أيدي المجروح وهو لا يريد الإعتراف بألم الجرح في غمرة أنينه، والأصعب من
ذلك أن يكون الحبيب على يقين بأن حبيبه يعاني أصعب حيرة تفوق العذاب المحتمل من
قمة رغبته في معرفة حقيقة مشاعر حبيبته، ولكن حبيبته تضيع منها كل القوة التي
عشقها فيها حين تسمعه يترجاها في أن تقبل حبه لإنها لا يمكن أن تجيبه بقبول حبه
وهي متيمة به مهما كانت ماهرة في التخفي وراء كلماتها القاسية، وهي في قمة لهفتها
له وهي تحسب اللحظات إن غاب عنها يشب بها الجنون ولا تستطيع ان تكون إيجابية في
فعل يريح قلب حبيبها ويفتح الباب امام مشاعرها التي تكاد تحرق قلبها من قمعها
لها.
عاجزة في تفسير إحساسها عندما يقف بها الزمن عندما ينظر إليها حبيبها حتى
وإن كانت تتهرب من عيناه التي تشع حب ينمو منذ سنين، ينتابها الغيظ عندما يكشف
وشاح حياءها عبر أي ذلة لسان تفلت دون مراقبة العقل أمام الناس الذين أعلن أمامهم
حبيبها عشقه الأبدي لها مراراً وتكراراً.. فهي تريد أن تأمره أن لايستمع لكلماتها
القاسية التي تموه حبها له وأن يسأل عنها قلبها الذي يداوم في السؤال عنه حتى وإن
كان بجوارها وأن يرى أحلامها التي تنتقل بها الى عالم آخر ليس فيه أحد غيره، ولكن
كيف له أن يفعل ذلك وهي تهرب منه دائماً وتجبره أيضاً على البعاد لإنها تتكبر على
مشاعرها ولا ترغب في الإعتراف بأن يوجد شخص على سطح الأرض يمكن أن يملك قلبها
ويتحكم في عقلها ويغرق روحها في بحر العشق، هل من الطبيعي ان تعاقب قلبها بالفراق
لأنه أخذلها وتمرد على أسلوبها العقلاني وأصبح أثير الحب لدي حبيبها عديم العيوب
الذي يحول حياتها إلى معجزات من السعادة والراحة والحب اللانهائي، هذا الحب الذي
غير تفكيرها تجاه كل اولويات وخطط حياتها وجعلها تتنحى عن منصب الرئاسة في كثير من
مسؤولياتها ومشاكلها بعد الحلول الفورية التي تجدها من حبيبها، هو حق صدق وعده في
أن يحارب من أجل تحقيق أحلامها ليستحق أن يكون شريك حياتها في المستقبل كما كان
توأم روحها في الماضي، فهي وجدت منه حب جعلها تراه أعظم وأهم حلم في أحلامها لأن
القدر كان حليفه في كل محاولاته لكي يفوز بها وينال قلبها بمحض إرادتها وهي تستسلم
للتحدي الأكبر الذي أوضحه لها منذ سنوات في إصراره عليها، ولكن البعد الذي اختارته
وأجبرته عليه لكي تكون هي صاحبة التحدي جعل الندم والألم هو نتيجتها التي تستحقها.
صوت الحق الذي يدوي في أذنيها
يجعلها تستنكر لكثير مما فعلته وتفعله بحبيبها الذي طالما انتظرها وتحملها حين
كانت تهجره وتنساه؛ فهي لا تستطيع ان تنكر كل الخير الذي رأته منه في كل الأحيان
حتى وإن كانت لاتكترث به ولا تعترف بما يفعله لأجلها.. تركته في ألم الجراح وهو أسير
حب من طرف واحد لسنوات ينتظر منها كلمة تريح باله من القلق الغير منتهي وهو يدعو
ربه ليلاً ونهاراً أن لا تكون من نصيب أحد غيره، في الوقت الذي كان يقبلها بعيوبها
ويعاونها ويرفع من قدرها في أي أزمة تقلل من شأنها كانت هي تتصيد له أخطاء في عز
نجاحاته وإنجازاته التي يتفوق فيها من أجلها، ولكن وفقاً لعدل الله-عزوجل- الذي
يقلب قلوب العباد كيفما يشاء إنتهى بها المطاف إلى حبيبها الذي ملك قلبها دون أن
يعلم.
يالعذاب الفراق الذي أجبرت عليه
نفسها خوفاً من ضعف الحب وإستسلامها لما إختاره عقلها لقلبها لكي تصل للسعادة
المنشودة لها، ياليتها أجابت حبيبها سؤاله لكي تصل به لمرحلة اليقين التي أوصلها
بها منذ سنوات وهي تغيب وترجع متأكدة من ثبات مشاعره، قلبها يخفق برغبته في ظهور
الحقيقة التي لا يستطيع لسانها أن يفصح عنها وهي تقيده بأغلال العقل.. فما أجمل أن
تصارح حبيبها وتقول له إرجع يا من سعيت إلي بكل ما يستطيع صاحب المستحيل أن يفعل،
فهل من قلب رجل يحمل كل هذا الحب ولا يستحق أن تهديه حبيبته قلبها إلى نهاية العمر
وهي آمنة لحياتها في كنفه؛ لأن الأدلة الواقعية شاهدة ولا يمكن أن تنكر مدى
الإخلاص في قلب هذا الرجل وهذا ما يجعلها متأكدة أن حبها له مستحيل أن يكون أوهام.