المستقبل دائما معتم وغامض ولا يمكن لأحد أن لا
يعمل لحسابه لكي يضمن حياة ممتعة أو على الأقل آمنة، ففي كل يوم نغفو في النوم
نكون في قمة الإرهاق مما عشناه في يومنا من أحداث لم تكن في علمنا في البارحة؛
وكذلك نكون منتظرين لما سنجده في يوم الغد سواء إن كان نتاج أفعالنا أو قدر
علينا.. فما من إنسان يتمنى الشر لنفسه حتى وإن كان إنسان شرير يحمل الأذى لنفسه
وللآخرين فلابد أن لديه ما يخشاه من قدر يخفيه عنه الله-عزوجل- مهما كان يلتزم بحياة
تقليدية ساكنة، كل منا يخطو في حياته بمقدار منتظم فلا يوجد يوم يمكن أن يسبق يوم
أو نتيجة يمكن أن تسبق سبب؛ أعمارنا جميعا بأمر الله-عزوجل- بمثابة تسلسل دقيق من
الأحداث التي تنطوي على كثير من الإختبارات التي تظهر معدن كل منا، حيث يوجد في كل
وقت فرصة الإختيار بين مسلكين لطريق الخير الذي يفيدنا ويرضي الله-عزوجل- والشر
الذي يضرنا ويرضي الشيطان.
الشك خصلة شيطانية ضعيفة أصلها من إستهانة
الإنسان بقدراته والتحقير من قدر نفسه.. فمن يملك القوة المانعة التي تحميه من
وشاية وإحباط الحاقدين والتي تحافظ على مكانته وهو خليفة الله-عزوجل- في الأرض لا
يمكن أن يشك في نفسه، ولأن فاقد الشئ لا يعطيه يستحيل أن تجد إنسان يشكك في غيره
وماحوله بإستمرار ويكون واثق من نفسه، فهي معادلة طردية تبدأ بالأفكار المستوطنة
في عقل كل إنسان منذ الصغر والتي تظهر نظرته ورد فعله تجاه الأمور؛ فكل من يستطيع
أن يراقب أفكاره ويعدلها ويغير الخاطئ بها بإستمرار يستطيع أن يمتلك مرونة وإبداع
في التعامل مع أي مشكلة تفاجأه.. بالنسبة لأي مصيبة أو أزمة يستكشف نفسه ويقارن
بين حاله قبل وبعد هذه الأزمة لكي يعرف ما حصل عليه من إيجابيات وسلبيات، بالتكرار
تنمو لديه خاصية تسمى بالحدس التوقعي وهي ليست بسحر يجعلك تعرف المستقبل بل مهارة
عادية في ترتيب الأحداث والتدقيق في أفعال وتعبيرات الناس وتكوين ملاحظات ثابتة
وتغيرات متجددة، وبالتالي تجعلك تلقائياً بارع في حل أي غموض أو تتبع أثر أي مجهول
في حياتك يساعدك على عدم الإصطدام بأي شئ خفي، وجزء كبير من الحدس التوقعي يعتمد
على اليقين المطلق في الله-عزوجل- وإيمان بأن كل ما يختبرنا به يجلب الخير لنا
عاجلاً أم آجلاً.
المفاجآت الكثيرة لدى شخص متشائم تجعله في حالة
إنتظار للحظ السئ الذي ربطه بمصيره العاجز عن تغييره بتحسين تصرفه، فهو يتوجس خيفة
من أي شئ غيبي لأنه مضطرب ولا يملك حنكة التصرف فأي نفحة ريح من مشكلة بسيطة يمكن
أن تقلب حياته رأسً على عقب.. فهو يستخدم أقل الإمكانيات التي منحها له
الله-عزوجل- خوفاً من التغيير لأنه ضعيف العقل يرغم نفسه على البقاء في زاوية من
حياته، سرعة غضبه تنجم عن الحساسية المفرطة من التعاملات مع أي شخص غريب عنه يذكره
بأي أزمة ماضية من حياته؛ فالرعب المرضي من أي شخص يمكن أن يكتشف نقاط ضعفه تجعله
دائماً يتبنى دور المهاجم، وسرعان ما يلقي باللوم على الأخرين وشعوره المزيف بأنه
ضحية أشخاص ظالمين له بل الحقيقة أنهم أقوى منه ويمتلكون الفن الذي يجعلهم يرسمون
لأنفسهم حياة أفضل.