قاضي بين نفسك وبين الناس
التمييز بين خبايا البشر ونواياهم في تعاملهم معك يجعلك في بادئ الأمر تعتقد أن ما تضمره في نفسك في التواصل مع أي شخص لم يسبق لك التعامل معه هو أيضاً ما يضمره هو لك..حيث أنك ترى الناس من منظورك الشخصى للحياة، ليس كما تنطوي عليه انفس الناس من ضغائن وإعتقادات سلبية تكونت من خوفهم أن تتكرر أي مأساه وقعت عليهم مسبقاً عندما كانوا على سجيتهم في مواجهة الحياة، ولكن ما ذنبك أنت في أن تواجه كل شخص تتعامل معه بأمراضه النفسية المستوطنة في ذهنه؟ وهل واجب عليك أن تدرس التحليل النفسي لكل فرد من أفراد مجتمعك قبل أن تأخذ إنطباعك عنه.
المشكلة الأصعب هي أنك لو أصبحت حذر من كل الناس القريب منهم والغريب وملأت عقلك بالشكوك لكي لا تقع في قاع من المشاكل مع من تتعامل معهم؛ ستصبح مريض ضحية نفسك التي تجعلك ترى كل عينة بسيطة من كل قطاع من الناس بعمومية سائدة؛ فعندما يطرئ موقف سخيف بينك وبين زميل لك ويصيبك أذى في عملك من هذا الزميل تتسع نظرتك للحدث وتجد أن خبرتك تغذي بداخلك فكرة أن جميع العلاقات بين زملاء العمل يصعب فيها الأمان لمن حولك.. ولكن هذا ليس صحيح! لأن خوفك من أن تلدغ من أثر براءتك وسذاجتك في التعامل مع شخص مماثل لطباع هذا الزميل يجعلك متوجس من تكرار الموقف، فيجب عليك أن تكون حيادي التفكير ولا تجعل أفكارك السلبية تأخذك إلى إتجاه مظلم يغير مبادئ حياتك التي تسير عليها؛ فكل صدمة مهما كانت كبيرة لايجب أن تتركها تحطم فيك شئ ثمين من أخلاقك ويكفي أنك أوقعت نفسك في هذا المطب..فالحقيقة التي يجب أن تقتنعها هي أنك أنت ضحية نفسك لأنك لم تبالي أي إهتمام لإختلاف تربيتك وأخلاقك عن غيرك وأن من يمسك بأي أذى لم يمسك به إلا بعد أن سمحت له بالإقتراب من نقاط ضعفك ومعرفة الفضائل التي تميزك عنه، فهو لم يقصد بالكامل أن يضرك بقدر أنه يريد أن ينتقم لنفسه من شخص آخر فعل معه ما فعله هو معك؛ فلا يعنيه أنك تستحق هذا منه أم لا ولكنه يريد أن يثبت لنفسه نظرية الغالب والمغلوب.. مرارة الألم الذي سقط عليه نتيجة براءة تعاملاته التي كنت أنت أيضاً تتعامل بها جعلته يحسد من أساء إليه لأنه ينظر إليه نظرة العظمة التي جعلت منه أسد يبحث عن فريسة.
إن تركت حد السيف القاطع لقوتك وثباتك على نظافة أخلاقك يقطع فيك تمسكك بالحق ستصبح مثل هذا الشخص الذي أذاك وتكون طرف في دائرة مغلقة يدور فيها الدور على كل مجني عليه ليصبح جاني.. وبتغيير أسلوبك الذي أدى بك إلى عاقبة مشاكل أنت من وضعت نفسك بها وليس الآخرين هو ما يجعلك تمزق صفحة بالية من كتاب حياتك لكي تبدأ صفحة جديدة بعنوان جديد وببداية مختلفة وبأسس أفضل ولكن لا يمكن لك أن تغير خط الخير وأنت تكتب سطور حاضرك، بل يجب أن تنوي أن تكون بطيبتك أزكى من أي شرير غبي يعتقد أنه يمكن أن يمزق صورتك الجميلة ليرضي شيطانه.. فأنت بتفائلك وقوة قواعدك التي تتخذها مع الغرباء حتى يصبحوا مقربين لك، تفرض أخلاقك على أي متعجرف يرى أن الدنيا غابة.
العملية يشترط فيها أن تكون قاضي بين نفسك وبين الناس، فلا يمكن أن يكون حكمك على كل الناس مترتب على تجربة عابرة مع عدة أشخاص فأنت لم تعرف كل الناس لكي تصنفهم؛ بل أن معلوماتك من أي محطة إستوقفتك في حياتك هي بمحض نظرة خاطفة يجب عليك أن تحتفظ بها في عقلك لكي تكون لك منبه ضد أي تكرار لأسلوب أحمق سبق لك أن إتخذته لأن المؤمن لا يقع في جحرٍ مرتين.. فمهارتك تكمن في أن تتخذ سلطة شخصية في عين نفسك وفي أعين الناس من زكاء التصرف والخلق القويم وتقديم الخير والثقة بالنفس، لأن المراوغة بين المكسب والخسارة تجعل منك إمعة تحسن إذا أحسن الناس وتسئ إن أساء الناس؛ فتجبر نفسك على أن تحب من يحسن إليك وتكره من يسئ إليك والأصوب أن تثبت للجميع سواء إن كانوا من أهل الخير أم من أهل الشر أن نفعهم لك أو ضرهم فيك لن يغير بك شئ، وهذا لكي تحب الناس الذين هم أنصار الخير وأصحاب الروح الطيبة حتى وإن كان يستلزمهم بعض التقويم لبعض السلوكيات الخاطئة.. وكذلك تكره من هم عشاق الشر وأذلاء لضغائن روحهم الشريرة التي تجعل نار أحقادهم تحرق إنسانيتهم كل يوم من أيام حياتهم، والأساس الذي تبني عليه معرفتك بالناس يجب أن يأخذ الوقت الكافي فهناك أناس وضوحهم يظهر سماتهم الشخصية في شهور قليلة وأناس آخرين غموضهم يجعلك تسأل عن هويتهم حتى بعد سنين.. فالوقت هم من يكشف المدعي من التلقائي فمن المستحيل أن تجد شخص يستطيع إختباء خلف قناع مزيف لفترة طويلة مهما أتقن الإصطناع.